في الثالث من أيار حيث يحتفي العالم بحرية الصحافة، يتجدد الألم الفلسطيني، وتُسَجَّل الحقيقة بالدم والأسر. أكثر من 200 صحفي فلسطيني ارتقوا منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة، وقرابة 180 حالة اعتقال واحتجاز سُجلت في صفوف الصحفيين، في مشهد دامٍ يُشكّل محطة غير مسبوقة في تاريخ الصحافة الفلسطينية.
في بيان مشترك أصدرته مؤسسات الأسرى أكدت أن الاحتلال لا يزال يعتقل 49 صحفيا ممن تم اعتقالهم بعد الإبادة إضافة إلى 6 صحفيين آخرين اعتُقلوا قبلها. وتؤكد هذه المؤسسات أن استهداف الصحفيين بات جزءا من سياسة منظمة تهدف إلى طمس الرواية الفلسطينية، وتصفية شهود العيان على جرائم الاحتلال.
شهادات من خلف القضبان
الصحفي الأسير محمد أبو عرب وصف في شهادة نُقلت عنه من خلال المحامي خالد زبارقة أن "الاحتلال يتعامل مع الصحفي كأنه قائد ميداني بل ربما أخطر، لأن الكلمة تفضحهم أكثر من الرصاص، والتوثيق عندهم تهمة". يروي محمد كيف خضع لتحقيق قاسٍ تركز على تغطيته للعدوان ، وكيف حوّلت سلطات الاحتلال كاميرته إلى “أداة تحريض”.
أما الصحفي المحرر خضر عبد العال، فقال في إفادة له بعد تحرره: "في الزنزانة، يُصادر حقك بالكلمة كما يُصادر حريتك بالجسد، لكننا كنا نكتب على الجدران، نرسم الكاميرات، ونردد أسماء زملائنا الذين استُشهدوا لنحفظهم في الذاكرة".
أما الأسير المحرر الصحفي شقورة يروي شهادته ويقول :"أي قانون هذا الذي يسمح باعتقال الصحفي لأنه نقل الحقيقة ؟!، وأي دولة هذه التي تتحدث عن نفسها بأنها دولة قانون ودولة الحريات ودولة الديمقراطية ؟!"، مشدداً على تجاوز الاحتلال الإسرائيلي لكل القوانين والمواثيق الإنسانية والدولية المؤكدة على حماية وحقوق الصحفيين في مناطق الصراع.
كذلك تحدث الصحفي المحرر محمد عليوة الذي اعتقل سابقا بسبب عمله الصحفي قائلا : "نُقلنا من زنازين إلى محاكمات عسكرية لأننا اخترنا أن نحمل الكاميرا بدلا من البندقية، ولأننا أردنا أن نوثق الحقيقة، لا أن نخفيها".
اعتقال مستمر: علي السمودي أحدث الضحايا
آخر من طالته يد الاعتقال كان الصحفي علي السمودي من جنين، والذي اختطفته قوات الاحتلال قبل أيام. والسمودي معروف بعمله الميداني في توثيق الانتهاكات في شمال الضفة، وقد نجا سابقا من محاولة اغتيال برصاص الاحتلال أثناء تغطيته لاقتحام مخيم جنين عام 2022. ويشكل اعتقاله استمرارًا لمسلسل استهداف متعمد للصحفيين الناشطين في المناطق الساخنة.
دماء الكلمة لا تجف
يرى مراقبون أن ما يجري هو محاولة لإسكات الكلمة، وإرهاب الصورة، ومحاصرة الحقيقة في سجون الاحتلال. ومع ذلك، لا تزال الكاميرات الفلسطينية تلتقط الحقيقة من بين الركام، ويواصل الصحفيون عملهم، مدفوعين بوعيهم الوطني والإنساني، بأن دورهم هو كسر الصمت لا التواطؤ معه.
إن اعتقال الصحفيين الفلسطينيين يشكل انتهاكاً صارخاً لكافة المواثيق والقوانين الدولية التي تكفل حرية الصحافة والتعبير، مطالباً المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمات حرية الصحافة، بالتحرك الفوري والعاجل للضغط على الاحتلال للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الصحفيين الأسرى، وضمان سلامتهم وحقوقهم.
وإننا في مكتب إعلام الأسرى ندعو الأحرار في العالم إلى فضح ممارسات الاحتلال وانتهاكاته بحق الصحفيين الفلسطينيين، وإلى تبني قضيتهم والعمل على إيصال صوتهم إلى كل المحافل الدولية عبر إطلاق أكبر حملة تضامن مع الصحفيين الأسرى في سجون الاحتلال.