في بقعة باردة من جدران سجن جلبوع حيث لا وقت يمر دون قيد، ولا صوت يعلو فوق أقدام السجانين، خرجت كلمات الأسير القائد عاهد أبو غلمي محمولة على لسان محاميه، كأنها شهقة طويلة في وجه العالم كوثيقة أخرى تضاف إلى سجل النضال الفلسطيني، تصرخ في وجه الظلم وتدين بالصوت والتجربة جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الأسرى.
اعتداءات ممنهجة : وإصابات خطيرة
تعرض الأسير عاهد أبو غلمي، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مؤخرا لاعتداءات وقمع وتنكيل داخل سجون الاحتلال ما أدى إلى إصابته بجراح وكدمات حادة في مختلف أنحاء جسده، في واحدة من أسوأ الهجمات التي تعرض لها منذ اعتقاله عام 2006.
تأتي هذه الاعتداءات في سياق تصعيد ممنهج ضد قادة الحركة الوطنية الأسيرة، خاصة بعد استهداف القيادات: حسن سلامة، عبدالله البرغوثي، عباس السيد، معمر شحرور، مهند شريم، ومحمد النتشة، في محاولة مدروسة لإضعاف البنية الداخلية للحركة الأسيرة وكسر إرادة رموزها.
"نحن أسرى للسجان ولعقليته المريضة"
من خلال زيارة محاميه، نقل أبو غلمي رسالة حملت وجع الأسرى وحقيقتهم العارية: "نحن الأسرى بشر، ويستمتعون بتعذيبنا... إنهم أناس ساديّون، وهذا انعكاس للطبيعة البشرية الشريرة.
نحن أسرى للعنصرية الصهيونية، وأسرى للاحتلال الذي يمارس القتل والاضطهاد دون مساءلة، وأسرى لسجانين يعانون أمراضا نفسية استُجلبوا ليُمارسوا سلطتهم كجزء من علاجهم."
وأضاف: "نحن أسرى أيضا لتفاصيل مريرة نعيشها يوميا، من طعام رديء وماء ملوث، إلى سلوكيات وعادات يومية تحتاج إلى وعي إضافي للتعامل معها..."
نداء عاجل وموقف حقوقي غائب
في ضوء هذه الانتهاكات دعا مكتب إعلام الأسرى جميع المؤسسات الحقوقية والإنسانية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى التحرك العاجل لمتابعة أوضاع الأسرى وفتح تحقيق دولي في الاعتداءات المتكررة بحقهم، والعمل الجاد من أجل محاسبة سلطات الاحتلال على جرائمها المستمرة، والتي تمثل خرقا فاضحا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.
الأسير أبو غلمي : سيرة مقاومة وصمود
الأسير عاهد أبو غلمي أحد أبرز قادة الحركة الأسيرة، يقضي حكما بالسجن المؤبد منذ عام 2006 لدوره القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومشاركته الفاعلة في مقاومة الاحتلال. ورغم سنوات الاعتقال الطويلة، بقي رمزًا للصمود والتنظيم والانضباط الوطني خلف القضبان.
رغم كل شيء .. "أنا بخير"
في نهاية رسالته قال أبو غلمي: "بالرغم من كل هذا... أنا بخير"
تلك الجملة ليست مجرد طمأنة عابرة وإنما إصرار هادئ على البقاء، على الحياة، وعلى مواصلة المواجهة بروح لا تنكسر.
إنها رسالة الأسرى في وجه عالم يتعمد أن يصمّ آذانه: نحن لسنا أرقاما، نحن أصحاب قضية، وأصحاب حق، ولن نكف عن الصراخ.