في الوقت الذي تتحضر فيه عائلات كثيرة لانخراط أبنائها في الفصل الدراسي الجديد، وحثهم الخطى على طريق تحقيق أحلامهم، ونيل حق التعليم، وفي الوقت الذي يمارس طلبة جامعيون حقهم في الانتساب للجامعات الفلسطينية، تحرم مئات العائلات من أهالي الأسرى القاصرين وطلبة الجامعات من هذا الحق، فالتعليم أصبح رفاهية تتمناها مئات عائلات الأسرى، وبدلاً من مرافقة أبنائهم إلى مدارسهم ودفع أقساطهم الجامعية، يتتبع أهالي الأسرى الأطفال مواعيد محاكمهم وأوامر الاعتقال الإداري المتجدد بحقهم، فيما يتولى آخرون مهام دفع غرامات مالية باهظة في انتظار أمل الإفراج والحرية التي أصبحت حقاً يقدم بمراحل لا يمكن قياسها على حق التعليم.
لا تقف القوانين الدولية وقوانين حقوق الطفل في وجه الاحتلال حين ممارسته لانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني، أساليب نزع الأطفال من بيوتها منتصف الليل بحجة الاعتقال أو التحقيق مستمرة، محاكم تنعقد كل يوم يتم فيها ضرب الأسرى والتنكيل بهم دون مراعاة لسنهم الغض، احتجاز في بيئة تتفشى فيها الأمراض وحرمان من حق الزيارة، واستهداف ممنهج للطفولة الفلسطينية ولأعمار الشباب الجامعيين على حد سواء.
يدنس الاحتلال بانتهاكاته حقوق الأطفال الأسرى ويخالف القانون الدولي وبخاصة اتفاقية الطفل المادة (١٦) التي تنص على أنه لا يجوز تعريض لي طفل لممارسة تعسفية أو غير قانونية في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه وسمعته، ولا تلقي إدارة السجون بالاً لمثل هذه الحقوق وتضرب بها عرض الحائط، في الوقت الذي يخسر فيه الأطفال الأسرى والطلبة الجامعيين أهم وأبرز مرحلة تعليمية من شأنها تشكيل واقع حياتهم المستقبلية فيما بعد.
يسلط مكتب إعلام الأسرى الأنظار نحو قضية احتجاز التعليم في سجون الاحتلال وتغييب هذا الحق عن أبناء الشعب الفلسطيني، مؤكداً على أن حق التعليم حق أساسي تضمنه كامل القوانين الدولية للإنسان، وتدعمه اتفاقيات حقوق الطفل، ومشيراً إلى تصاعد اعتداءات الاحتلال بحق الطفولة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر.
تؤكد رئيس قسم المعلومات والتوثيق في نادي الأسير آية شريتح على أن آخر إحصائية لديهم تؤكد اعتقال ما يقارب ٤٥٠ طفل بينهم أسيرتان قاصرتان في سجون الاحتلال، موزعين على سجن عوفر ومجدو والدامون، يخضعون لأحاكم فعلية وأوامر إدارية ومحاكم متجددة.
وتؤكد شريتح على أن هناك زيارات محامين لسجون الاحتلال حيث يتم اعتقال الأسرى الأطفال، فيما تشير لوجود اعتداءات بحقهم وانتهاكات واضحة، ويتم تدوينها بشكل منتظم وتقديم إحاطات كاملة بما يتعلق بها، وبخاصة بما يتعلق بالأسرى المحتجزين في سجن عوفر.
منذ العام ١٩٦٧ وحتى نهاية العام ٢٠٢٤، سجلت أكثر من ٥٠ ألف حالة اعتقال بحق الأطفال الفلسطينين وأعمارهم دون سن ال١٨ عاماً، على أنه خلال العام ٢٠٢٣ وحده اعتقل الاحتلال نحو ١٠٨٥ طفل فلسطيني، ٦٩٦ طفل منهم من مدينة القدس الذي يشكل اعتقال الطفولة فيها المعدل الأعلى في فلسطين، وشرعت كنيست الاحتلال قوانين تتيح لها حرية اعتقال ومحاكمة الأطفال، فبتاريخ 7/11/2024، صادقت على قانون يسمح بفرض عقوبة السجن بحق الأطفال الفلسطينيين الذين لم يبلغوا 14عاماً.
مكتب إعلام الأسرى تحدث إلى والدة الأسيرة الطفلة سالي محمد صدقة صاحبة(١٦عاماً ونصف) سكان قرية المدية غرب مدينة رام الله، والتي يحتجزها الاحتلال في سجن الدامون للوقوف على قضية حق التعليم المسلوب الذي يمارسه الاحتلال بحقها عبر إبقائها أسيرة دون أي تهمة.
تقول والدة الأسيرة الطفلة سالي صدقة" يعتقل الاحتلال ابنتي منذ تاريخ ٥/١/٢٠٢٥، تتردد إلى المحاكم حيث لم يتم إصدار أمر نهائي بحقها بعد، ومنذ ٣ أشهر كاملة تغيب أخبارها تماماً ولا نعلم عنها شيئاً".
تضيف والدة صدقة" ابنتي طالبة كانت في الصف ال١١ الفرع العلمي، كان من المفترض أن تكمل مسيرتها التعليمية للمرحلة الثانوية لكن الاعتقال تسبب في تأخير حقها التعليمي، ابنتي تحلم بأن تصبح طبيبة، لم تؤذي أحداً وهي ذات شخصية محبوبة وجريئة وقوية واجتماعية، وأكبر من عمرها، ويحبها الجميع، ولا ألاحظ اهتماماً لقضية اعتقالها رغم أنها طفلة".
الأسيرة صدقة ليست الجرح النازف الوحيد في قلب والدتها فهي شقيقة الشهيد عودة محمد الذي يكبرها في العمر وللذي قضى شهيداً بتاريخ ٢/٦/٢٠٢٢، بعد استهداف الاحتلال له برصاصة في القلب، تقول والدته"استشهاد شقيقها أثر على حياتنا وعلى حياتها، اليوم لا تصارع فقط حزن أخيها، بل ظروف اعتقال لا نعلم عنها الكثير أيضاَ".
الاحتلال لم يعر اهتماماً لعمر الأسيرة صدقة فقد تعرضت للتحقيق لساعات والضرب وأمضت ٣٦ يوماً في مركز تحقيق المسكوبية، حرمت فيها الشمس والهواء، واليوم ترافق الأسيرات حياتهن المتكدسة بالاعتداءات والقمع والضرب في سجن الدامون.
إلى جانب الأسيرة صدقة يعتقل الاحتلال الأسيرة هناء هيثم حماد(١٦عاماً) من سكان بلدة العروب، قضاء مدينة الخليل، منذ تاريخ ٩/٦/٢٠٢٥، وقد جرى تحويل ملفها للاعتقال الإداري منذ شهرين، وصدر بحقها أمر إداري مدته ٤ أشهر.
الأسيرة حماد وفقاً لإحصائيات هيئة شؤون الأسرى خلال شهر يونيو المنصرم هي من بين (٩٥طفلاً) على الأقل يعتقلهم الاحتلال تحت بند الأمر الإداري، فيما لم يعد هناك سقف لهذا الاعتقال ولا مراعاة لأعمار الأسرى.
الاحتلال يعتقل إدارياً كذلك الأسير محمد سمير أبو عليا(١٨عاماً) سكان المغير، قضاء مدينة رام الله، وقد حرمه الاعتقال من حقه في الالتحقاق بامتحان الثانوية العامة، وتؤكد عائلة الأسير أبو عليا بأن نجلهم اعتقل بعمر ال١٧ عاماً،وصدرت بحقه ٣ أوامر اعتقال الإداري، دون وجود تهم واضحة بحقه بعد، ولا زالت العائلة بانتظار مصيره ومصير مستقبله ومصيره التعليمي.
يعاني الأسرى الأطفال إلى جانب الاعتقال كسياسة منفردة تنتهك طفولتهم، من أساليب القمع والضرب وتأخير العلاج والدة الأسير محمد نسيم أبو العز، سكان أريحا والذي دخل السجن طفلاً أكدت على أن أحلامه توقفت بعد اعتقاله بتاريخ ١٦/٢/٢٠٢٤، وأمضى طفولته ما بين سجن عوفر ومركز تحقيق عتصيون، حتى نقله الاحتلال نهاية المطاف إلى سجن النقب بعد أن أصبح بعمر ال١٩ عاماً.
والدة الأسير أبو العز أكدت على أن نجلها أصيب بشلل نصفي نتيجة ما تعرض له في سجون الاحتلال، وتنتظر بفارع الصبر انتهاء ملف اعتقاله الإداري والتزام الاحتلال بالإفراج عنه بعد الأمر الإداري الأخير الصادر بحقه لمدة شهرين.
تؤكد إحصائيات وزارة التربية والتعليم حتى تاريخ ١/١/٢٠٢٣، على اعتقال الاحتلال ل٣٧٩ طفلاً واعتقال ١٨٢ معلماً، في انتهاكات واضحة ضد حق التعليم لا تخص الأطفال من طلبة المدارس وحدهم بل وتمس بالمعلمين وعدد كبير من المدارس المحاذية للمستوطنات وأعداد أخرى من المدارس التي تتعرض لاقتحام الاحتلال وترويع طلبتها بشكل ممنهج.
وتتحدث وزارة التربية والتعليم/ وحدة متابعة المديريات لمكتب إعلام الأسرى حول الإحصائيات الموثقة لديهم وتؤكد على أنه وحتى تاريخ 30/4/2025، يعتقل الاحتلال 210 طلبة تم توثيقهم على امتداد 17 مديرية للتربية والتعليم في فلسطين، وينتهك حقهم الأساسي في التعليم، في حين يعتقل وحتى ذات التاريخ 26 معلماً موزعين على 12 مديرية، فيما توثق استدعاء الطالب محمد سند خلف من مدرسة ذكور أبو فلاح الثانوية التابعة لمديرية بيرزيت، بتاريخ 2/10/2025، وترصد منع 5 طلبة من مدرسة ذكور حجة الأساسية التابعة لمديرية قلقيلية بتاريخ 26/3/2025.
الاحتلال وضمن أساليبه العنجهية وحسب توثيق مديريات التربية والتعليم، احتجز الطالب آدم رفاعي الأطرش، من طلاب مدرسة الإبراهيمية الأساسية في مدينة الخليل، وفقط لأجل مصادرة كتاب التربية الإسلامية وذلك على حاجز قرب الحرم الإبراهيمي.
تعتبر مدينة القدس الأكثر استهدافاً باعتقال الأطفال وتشكل بلدتي العيساوية وسلوان الجغرافية الأوسع لاعتقالات الأطفال فيها، فقد ظهر الأسير محمد ياسر درويش(١٥عاماَ) من العيساوية والمعتقل منذ أيام في محكمته الأخيرة دامية عينه وقد احمرت لما تعرض له من ضرب خلال الأيام القليلة الماضية لاعتقاله، ويشير رئيس لجنة أهالي الأسرى في مدينة القدس إلى أن عدد الأسرى المقدسيين وصل إلى 55 طفل.
يشكل الأسير الموقوف محمد درويش نموذجاً مقدسياً لاعتقال الطفولة، لتكرار اعتقال الاحتلال له والاعتداءات الممنهحة بحقه من ضرب وإبعاد وحبس منزلي، الأسير درويش كان تحرر بتاريخ ١٧/٥/٢٠٢٥، من اعتقاله الأحير الذي وصلت مدته ل٧ أشهر، وقد بدأ الاحتلال باعتقاله حين كان بعمر ال١٢ عاماً فقط، وبتاريخ ٢٤/١١/٢٠٢٣، سلم نفسه للاحتلال بعد ٥أشهر أمضاها رهن الحبس المنزلي، كما وأبعد عام ٢٠٢٤، عن منزله في العيساوية.
انتهاكات الاحتلال لحق التعليم تطال طلبة جامعيين كذلك، حيث حرم الأسير محمد رزق الحروب(١٩عاماً) سكان دورا، قضاء الخليل، حسب تأكيد والدته من الالتحاق بالفصل الدراسي الأولى في الجامعة، واليوم يحرمه اعتقاله الإداري من حقه في مستقبل طبيعي.
تقول والدته" اعتقل محمد بتاريخ ١٦/١٢/٢٠٢٤، وقد حصل على أمرين إداريين بواقع ٦ أشهر، واستمرار اعتقاله يحرمه من حق الالتحاق بالجامعة بصورة طبيعية، وهو ليس الأخير في سلسلة الاعتداءات التي تطال طلبة الجامعات.
الأسيرة كرمل محمد الخواجا(٢١عاماً) سكان بلدة نعلين في رام الله، تحرم بسبب اعتقالها من سنتها الدراسية الرابعة والأخيرة في جامعة بيرزيت في دراسة تخصص إدارة عامة، الأسيرة الخواجا اعتقلت بتاريخ ٢/٣/٢٠٢٥، وعرضت خلال شهر مايو الماضي لعزل إنفرادي واعتداء جسدي من قبل مجندة تسبب لها برضوض في القدم واليد، وتعرضت لعزل مدة يومين.
يمثل رفض الاحتلال السماح لمنظمات حقوقية وإنسانية بزيارة الأسيرات تصاعداً في أساليب الانتهاكات والاعتداءات بحقهن، وبخاصة طالبات الجامعات في انتهاك صارخ لحقوق التعامل مع الأسرى.