يُعدّ الأسير المقدسي سمير أبو نعمة من أبرز الحالات التي تجسّد الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. فبعد تسعة وثلاثين عامًا من الاعتقال المتواصل، خرج أبو نعمة في صفقة طوفان الأحرار الثالثة، حاملًا جسدًا أنهكته القيود، وذاكرةً مثقلة بشهادات على التعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبي الممنهج.
أولًا: التعذيب وسوء المعاملة الجسدية
يروي الأسير المحرر سمير أبو نعمة أنه تعرض، قبيل الإفراج عنه، لاعتداء وحشي أثناء نقله من سجن ريمون إلى سجن النقب، حيث تعمّد السجانون ضربه وتكسير عظامه وإهانته بشكل متكرر.
يقول في شهادته: "الضرب كان قاسيًا... تكسير عظام، إهانات، وإذلال متعمّد، سواء في ريمون أو النقب، كان الانتقام سياسة دائمة، لا تمرّ علينا لحظة راحة."
هذه الشهادة تؤكد استمرار سياسة الانتقام الجسدي ضد الأسرى، خاصة في مراحل ما قبل الإفراج، في انتهاكٍ صريح للمادة (3) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر المعاملة القاسية والمهينة بحق الأسرى والمعتقلين.
ثانيًا: الإهانات والمسّ بالكرامة الإنسانية
وفقًا لشهادته، فإن الإهانات التي تعرّض لها الأسرى طالت كرامتهم وإنسانيتهم، إذ استخدم السجانون ألفاظًا عنصرية ومهينة، ووصفوهم بالحيوانات أثناء الإحصاء اليومي. "كانوا يقولون وقت الإحصاء: في الغرفة 11 كلب أو حمار، ريحتهم طالعة... أقصى درجات الإهانة."
كما لم تسلم المقدسات الدينية من الانتهاك، إذ تم تمزيق مصحف الأسير ورميه في القمامة مع نظارته الطبية، وعندما احتجّ على ذلك، قوبل بالاستهزاء والرفض.
هذا السلوك يُصنّف ضمن جرائم الإهانة الدينية، ويخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 18) التي تضمن حرية المعتقد واحترام الرموز الدينية.
ثالثًا: القيود والتعذيب النفسي
تحدث أبو نعمة عن ممارسات قاسية خلال عمليات النقل والتفتيش، من بينها تقييد الأسرى بأسلاكٍ معدنية حادة من الخلف، ما تسبب بجروحٍ ونزيفٍ في أيديهم، وسط تشجيع من السجانين على زيادة الألم. "كنت مكلبش بأسلاك، سال الدم من معصمي، وكانوا يقولون لبعضهم: أوجعوهم أكثر، خلوهم يتألموا."
هذه الممارسات ترقى إلى مستوى التعذيب الجسدي والنفسي المحظور دوليًا وفق اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والتي تُلزم إسرائيل كدولة موقّعة بمنع مثل هذه الأفعال.
رابعًا: الإهمال الطبي و"زرع المرض"
من أبرز ما كشفه أبو نعمة هو انتشار مرض السكابيوس (الجرب) بين الأسرى في سجن ريمون بصورة غير طبيعية، ما أدى إلى إصاباتٍ واسعة في صفوفهم واستشهاد اثنين منهم نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد. "السكابيوس انتشر بشكل غريب... جرثومة مش طبيعية، الدمامل ملأت أجساد الأسرى حتى شارفوا على الموت، وبعد ستة شهور فقط بدأوا يجيبوا أدوية غير فعالة."
هذه الشهادة تؤكد وجود سياسة إهمال طبي ممنهجة، بل وتعمّد نشر الأمراض دون تقديم علاج فعّال، وهو ما يشكّل جريمة وفق القانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تُلزم دولة الاحتلال بضمان الرعاية الصحية للمعتقلين.
خامسًا: الحرية المثقلة بالألم
رغم الإفراج عنه بعد 39 عامًا من الاعتقال، خرج أبو نعمة بجسدٍ ضعيف وأمراضٍ مزمنة نتيجة سنوات التعذيب والإهمال، لكنه أكد في ختام شهادته أنّ إرادته لم تنكسر: "كنت أقول يا رب احميني منهم... من وجعهم، من حقدهم، من كل هذا الظلم."
سادسًا: تقييم قانوني وحقوقي
استنادًا إلى شهادة الأسير المحرر سمير أبو نعمة، يمكن تصنيف الانتهاكات التي تعرّض لها على النحو الآتي:
- نوع الانتهاك الوصف المرجعية القانونية المنتهكة.
- التعذيب الجسدي الضرب المبرح وتكسير العظام أثناء النقل اتفاقية مناهضة التعذيب (المواد 1 و16).
- المعاملة المهينة الإهانات اللفظية والتمييز العنصري اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 3).
- الاعتداء الديني تمزيق المصحف الشريف العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادة 18)
الإهمال الطبي تفشي الأمراض دون علاج اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 76).
القيود المؤذية تقييد الأسرى بأسلاك حادة اتفاقية مناهضة التعذيب (المادة 1).
إنّ شهادة الأسير المقدسي سمير أبو نعمة تمثل وثيقة حيّة على جرائم التعذيب والإهمال الطبي داخل السجون الإسرائيلية، وتؤكد الحاجة الماسة إلى:
1. فتح تحقيق دولي مستقل في ظروف احتجاز الأسرى الفلسطينيين، خاصة في سجون ريمون والنقب.
2. إلزام سلطات الاحتلال بتطبيق معايير اتفاقيات جنيف بشأن معاملة الأسرى.
3. توفير رقابة طبية دولية على السجون الإسرائيلية لضمان الحد الأدنى من الرعاية الصحية.
4. توثيق شهادات الأسرى المحررين ضمن ملفات يمكن رفعها إلى مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية.