من ذاكرة الزنازين خرجوا، لا يحملون سوى وجع الأعوام وندوب القيد، ظنوا أن فجر الحرية قد أزهر أخيرا في ليلهم الطويل، لكنّ الاحتلال الذي لا يفلت فريسته، عاد ليحاصرهم من جديد، كأنهم ولدوا من جديد في دائرة النار.
سلامة القطاوي، سعيد ذياب، إبراهيم عطية، سائد الفايد، وغيرهم، تنفّسوا هواء قراهم بعد سنواتٍ طويلة خلف القضبان، ظنّوا أن الشمس التي أشرقت على وجوههم يوم الإفراج لن تغيب من جديد. لكنّ الاحتلال الذي لا ينسى أسرى الحرية عاد ليقلب الطمأنينة إلى كابوس، ويثبت أن الظلم حين يهزم يعود متخفيا في ثوب الملاحقة والاعتقال من جديد.
يواصل الاحتلال الإسرائيلي تصعيد حملته ضدّ الأسرى المحررين في صفقة التبادل الأخيرة "طوفان الأحرار"، في انتهاك صارخ للاتفاق ومواصلة لسياسة ممنهجة تستهدف كسر إرادة المحررين، وإبقائهم رهائن للخوف والملاحقة الدائمة.
ففي الليلة الماضية، شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة، طالت (25) مواطنا من مختلف أنحاء الضفة الغربية، من بينهم سبعة أسرى محررين، جميعهم سبق أن قضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال.
وكان من أبرز المعتقلين الأسير المحرر سلامة قطاوي من بلدة بيرزيت شمال رام الله، والذي اعتُقل سابقًا في أغسطس/آب 2009 بعد اقتحام منزله، وخضع لتحقيقات قاسية في سجني "المسكوبية" و"عسقلان"، قبل أن يُحكم عليه بالسجن لمدة (15) عامًا.
ويُعد قطاوي أحد الشخصيات القيادية داخل سجون الاحتلال، حيث شغل عدة مناصب تنظيمية، انتُخب في سنوات اعتقاله الأخيرة رئيسا للهيئة القيادية العليا لأسرى حركة حماس. وقد تعرّض خلال فترة اعتقاله لعدة اعتداءات جسدية وإصابات متعمدة من قبل إدارة السجون، كجزء من سياسة استهداف القادة الفاعلين داخل المعتقلات.
كما اعتقلت قوات الاحتلال من محافظة قلقيلية كلاً من:
* سائد الفايد: أمضى 22 عامًا
* إبراهيم عطية: أمضى 22 عامًا
* سعيد ذياب: أمضى ما مجموعه 22 عامًا
* مهدي عكاس: أمضى 8 سنوات
* حمزة شريم: جريح وأسير سابق أمضى 14 شهرًا
ووفقًا لمكتب إعلام الأسرى فإن الاحتلال منذ تنفيذ الصفقة وحتى اليوم، أعاد اعتقال (19) محررا، من بينهم (13) أسيرا تم اعتقالهم سابقا، وأبقى الاحتلال على اعتقال (7) منهم، فيما حوّل (6) إلى الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة، بذريعة "الملف السري".
ومن بين من جرى تحويلهم إلى الاعتقال الإداري الأسير وائل الجاغوب من نابلس، والذي قضى 23 عاما في الأسر، ويُعد من القادة البارزين داخل الحركة الأسيرة.
وأشار المكتب إلى أنّ ما يجري بحق المحررين امتداد لسياسات ممنهجة اتبعها الاحتلال لعقود، تصاعدت بشكل واضح منذ عام 2014، حين أعاد الاحتلال اعتقال العشرات من محرري صفقة "وفاء الأحرار"، تحت ذريعة "خرق شروط الإفراج"، وهو ما وفّر له غطاءً قانونيا وميدانيا من خلال الأوامر العسكرية والقوانين العنصرية التي شرّعها لملاحقة المحررين.
أما في صفقة "طوفان الأحرار"، فقد ارتقت الممارسات الإسرائيلية إلى مستوى "الإرهاب المنظم"، حيث تعرض عدد من المحررين لاعتداءات جسدية وحشية عشية الإفراج عنهم، كما امتدت الاعتداءات إلى عائلاتهم من خلال التهديدات المتواصلة والاقتحامات المتكررة.
إنّ استمرار استهداف المحررين بعد الإفراج عنهم، يكشف زيف ادعاءات الاحتلال حول احترامه للاتفاقات، ويؤكد أن معركة الأسرى لم تنتهِ بتحريرهم، بل بدأت جولة جديدة منها، يُراد فيها للمحرر أن يبقى مكبلا حتى خارج الزنزانة.
ووسط هذا التصعيد الخطير، تتعالى المطالب الحقوقية والدولية بضرورة التدخل العاجل، ووقف هذه الانتهاكات المتواصلة التي تشكل خرقا فاضحا لكل المواثيق الإنسانية واتفاقيات التبادل.