تفاصيل صغيرة تصنع الكبرياء خلف القضبان
تقرير/ إعلام الأسرى

في شهادة لافتة قدّمها المحامي خالد محاجنة، خلال لقائه الأخير بأحد موكليه من الجليل – وهو أسير محرر أفرج عنه قبل أيام بعد اعتقال إداري – ظهرت ملامح جديدة من حياة الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، حياة لا تُقاس فقط بسنوات الاعتقال أو صعوبة السجون وإنما بتفاصيل صغيرة تشكل ملامح إرادة لا تُقهر.

لم يكن محور الحديث فقط عن ظروف السجن القاسية، أو عن العزل، والقمع، والانتهاكات اليومية، بل عن كيفية احتفاظ الإنسان بإنسانيته، وسط بيئة صُمّمت لنزع كل معنى منها.

ففي واحدة من تلك التفاصيل التي رواها المعتقل المحرر، أشار إلى طريقة فريدة ابتكرها الأسرى لإنتاج لحظة دفء وإنجاز رمزي، رغم شُح الموارد، وانعدام الكماليات.

قال إنهم كانوا يحتفظون بجزء من الشاي حتى يبرد، ثم يضيفون إليه كمية قليلة جدا من المربى ، وهي مادة نادرا ما يحصلون عليها، فيصنعون منها مشروبا باردا يطلقون عليه اسما خاصا بينهم، وكأنهم يصنعون عالما صغيرا بديلا داخل الجدران، يرمم شيئا من كرامتهم، ويمنحهم شعورا بالسيطرة والخصوصية في مكان صُمم لسلب كل شيء.

هذا المشروب عبارة عن رمز.  

رمز للابتكار في وجه الحرمان، وللإصرار على خلق الحياة في مكان لا حياة فيه.  

إنه تأكيد على أن الإنسان يمكنه أن يستولد المعنى من الرماد، وأن يحتفظ بقدرته على الاختيار ولو في أبسط الأمور، كاختراع اسم لمشروب من الشاي والمربى ، أو تقاسم لحظة بين الزملاء في المعتقلات والسجون .

هذه التفاصيل الصغيرة، التي قد تبدو بسيطة في نظر من يعيشون خارج السجن، تمثل داخل جدرانه بوصلة بقاء.  

هي مقاومة من نوع آخر، هادئة، صامتة، ولكنها عميقة وشامخة. تؤكد أن الأسرى ليسوا مجرد أرقام في ملفات، هم بشر يقاتلون يوميا لحماية كرامتهم، والتمسك بهويتهم، وتحدي آلة السجن بسياسات الاستنزاف النفسي والجسدي.

ولنعرف أن البطولة ليست بالصمود أمام المحقق، أو في سنوات السجن الطويلة، بل في تلك التفاصيل اليومية التي يقول عنها الأسرى: "لا شيء يُمنح لنا، لكن كل شيء يمكن أن نصنعه بإرادتنا".

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020