رغم فرحتهم القصيرة بالحرية يجد عدد من الأسرى المحررين والمحررات الذين أفرج عنهم ضمن صفقة "طوفان الأحرار" أنفسهم اليوم من جديد في دائرة الاعتقال والملاحقة في مشهد يعكس سياسات الاحتلال الإسرائيلي المتغطرسة التي تضرب بعرض الحائط كل التفاهمات والاتفاقيات.
فمنذ الأيام الأولى التي أعقبت تنفيذ الصفقة والتي جاءت ضمن اتفاق تبادل جزئي للأسرى برعاية قطرية ومصرية شن الاحتلال حملات منظمة أعاد خلالها اعتقال عدد من المحررين بعضهم جرى استدعاؤه ثم اعتقاله، وآخرون اختطفوا خلال اقتحامات ليلية طالت منازلهم وعائلاتهم ورافقها تنكيل وتحقيق ميداني وانتهاكات جسيمة.
محررون في مرمى الاستهداف مجددا
من بين الأسماء التي طالتها حملات الاعتقال أو التنكيل برزت حالة الأسير المحرر وائل الجاغوب الذي أُعيد اعتقاله إداريا، رغم أنه كان من بين المفرج عنهم في صفقة التبادل،
فبعد تحرره ضمن اتفاق التبادل، أُعيد اعتقال الأسير وائل الجاغوب (58 عاما) من نابلس وصدر بحقه أمر اعتقال إداري مدته خمسة أشهر ونصف.
القائد وائل الجاغوب معتقل منذ عام 2001 ومحكوم بالمؤبد، واجه تحقيقا قاسيا وعزلا متكررا خلال سنوات أسره، وكان آخرها قبل عامين. يعد من أبرز الأسرى الذين شكلوا وعيا وطنيا داخل السجون.
يعتبر اعتقاله الإداري خرقا مزدوجا للصفقة والقانون الدولي.
كما اعتقل المحرر سعيد ذياب بعد اقتحام منزله وخضع لتحقيق ميداني قبل أن يفرج عنه لاحقا دون تهمة، وهو ما حدث أيضا مع الأسيرين المحررين سلامة القطاوي وسائد الفايد اللذين تعرضا لاقتحام منزليهما وتفتيش عبثي وتنكيل بأفراد العائلة فيما جرى اقتياد سامح الشوبكي إلى مركز تحقيق وتم الإفراج عنه لاحقا بعد ساعات من الاستجواب والتخويف، واليوم تكرر المشهد مجددا بإعادة اعتقال الأسرى المحررين سامح الشوبكي، وسعيد ذياب، وسائد الفايد ضمن حملة استهداف ممنهجة تطال محرري صفقة طوفان الأحرار.
استهداف مباشر للمحررات
ضمن سياسة استهداف الأسيرات المحررات استدعت مخابرات الاحتلال الصحفية والأسيرة المحررة أشواق عوض، التي كانت قد أفرج عنها في الدفعة الأولى للصفقة بعد خمسة شهور في الاعتقال لمقابلة في مركز تحقيق عتصيون في محاولة لترهيبها وتقييد حركتها وحريتها.
أما الأسيرة المحررة ياسمين تيسير شعبان، فقد أعيد اعتقالها بعد اقتحام منزلها في قرية الجلمة شمال شرق جنين، حيث عبث الجنود بمحتوياته بحجة التفتيش، ثم اقتادوها إلى جهة مجهولة. وكانت شعبان قد أفرج عنها في الصفقة ذاتها، بعد أن أمضت 21 شهرًا من حكم فعلي بالسجن لست سنوات وغرامة مالية، على خلفية دعم المقاومة.
هذه ليست المرة الأولى التي تعتقل فيها شعبان، إذ تحررت عام 2019 بعد قضاء خمس سنوات في الأسر، وحملت حينها لقب "عميدة الأسيرات الفلسطينيات".
أعيد اعتقالها مجددا في 2022، وها هي تعتقل اليوم مرة أخرى في تأكيد على أن استهدافها ليس عرضيا وإنما انتقاميا.
رسائل التهديد والحرية المشروطة
توصف هذه السياسة بأنها "عقاب جماعي" ورسالة واضحة: "لا أمن ولا حرية لكم حتى بعد الإفراج عنكم".
وفي حالات عديدة تلقى المحررون تهديدات مباشرة من ضباط المخابرات، مفادها: "سنكون خلفكم، في كل بيت تدخلونه".
تكررت هذه الرسائل بشكل خاص تجاه النساء المحررات ذوات التأثير المجتمعي أو الإعلامي في محاولات لإسكات أصواتهن ومنعهن من التواصل مع رفيقاتهن الأسيرات أو فضح الانتهاكات المستمرة.
خرق صريح للصفقة وتواطؤ دولي
إعادة اعتقال المحررين والمحررات تعد انتهاكا مباشرا لشروط صفقة طوفان الأحرار والتي تمّت بضمانات دولية ولا سيما أن الاتفاق تضمّن إفراجا دون قيد أو شرط ما يجعل أي اعتقال لاحق باطلا قانونيا وأخلاقيا.
ومع صمت الجهات الراعية يشعر المحررون أن حريتهم لم تكن إلا مشهدا قصيرا في فيلم طويل من الملاحقة وأن الصفقة أصبحت حبرا على ورق.
الحرية الناقصة والعدالة الغائبة
أثبتت الأيام أن صفقة طوفان الأحرار لم تكتمل وأن الاحتلال يصر على ملاحقة من تحرروا منها وكأنهم ما زالوا أسرى فعليين أو معلقين بين زنزانة الأمس وخوف الغد.
ومع غياب الرادع الدولي تبقى الحرية الفلسطينية مهددة لا يكفي أن تنتزع بل يجب أن تدافع عن نفسها كل لحظة في وجه سجان لا يعترف بالاتفاق ولا يعرف إلا لغة السيطرة.