في مخيم عايدة شمال بيت لحم، أسدلت الستارة على فصل طويل من الصبر، برحيل مزيونة أبو سرور، والدة الأسير ناصر حسن عبد الحميد أبو سرور المعتقل منذ الرابع من يناير/كانون الثاني 1993 والمحكوم بالسجن المؤبد مدى الحياة، بتهمة الانتماء لحركة "فتح" ومقاومة الاحتلال وقتل ضابط إسرائيلي.
على مدار 32 عاما من الأسر، لم تتوقف مزيونة رغم كبر سنها ومرضها، عن شد الرحال إلى السجون حاملة في قلبها أمل اللقاء، وفي يديها دفء الأم الذي لا يبرد مهما طالت المسافات. لكن القدر سبق الحرية، فرحلت السبت 2 أغسطس، تاركة خلفها حكاية أم فلسطينية انتظرت ولم تجب دعوتها الأخيرة للعناق.
ناصر أبو سرور واحد من قدامى الأسرى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية "أوسلو"، ممن كان من المقرر الإفراج عنهم ضمن "الدفعة الرابعة" عام 2014، لكن الاحتلال نكث بوعده، ليبقى خلف القضبان حتى اليوم. ورغم قسوة السجن واصل ناصر مسيرته التعليمية، فنال البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية، وأصدر ديوان شعر "عن السجن وأشياء أخرى"، ورواية "حكاية جدار" التي رشحتها دار الآداب لجائزة البوكر العربية لعام 2023.
رحيل مزيونة أبو سرور يعيد إلى الذاكرة صور آلاف الأمهات اللواتي رحلن قبل أن يكتمل مشهد اللقاء بأبنائهن الأسرى، لا سيما المحكومين بالمؤبد أو مدى الحياة.
كثير منهن فارقن الحياة بعد عقود من الزيارات الشاقة وبعضهن لم يتمكن حتى من وداع أبنائهن، كما حرم آلاف الأسرى من توديع أحبتهم بسبب السجن أو الحرب خاصة بعد حرب الإبادة على غزة.
هذه حكاية وطن يتوارث الانتظار، وليست حكاية مزيونة وحدها وأمهات يسلمن الراية لأبنائهن في الخارج ليمضوا في طريق المطالبة بالحرية، بينما تبقى صورهن ودموعهن شاهدة على وجع لا يسقط بالتقادم.