خرج الأسير الفلسطيني السابق محمد أيمن إسماعيل الغوشي من مخيم عايدة في بيت لحم، من سجون الاحتلال محملا بجسد مثقل بالسرطان، وفشل كلوي، وكسور في الأضلاع والأسنان، وندوب لا تحصى خلفتها 18 شهرا من الاعتقال الإداري والإهمال الطبي المتعمد.
محمد الغوشي (36 عاما)، متزوج وأب لطفلة، لم يكن يعاني من أمراض تذكر قبل اعتقاله في نهاية العام 2023. لكن السجون الإسرائيلية كانت كفيلة بتحويله إلى مريض مزمن بعد أن تعرض لسلسلة من عمليات التنكيل الجسدي والنفسي، بدأها الاحتلال منذ لحظة اعتقاله في معتقل "عتصيون"، وتواصلت لاحقا في سجن "عوفر"، حيث تعرض هناك للقمع الوحشي، بما في ذلك إطلاق الرصاص المطاطي على قدمه قبل أسابيع فقط من الإفراج عنه.
كما تسببت الاعتداءات المتكررة بكسور في أضلاعه وأسنان، في وقت حرم فيه من أبسط أشكال الرعاية الصحية. أحد أبرز أشكال الإهمال التي عانى منها كان إصابته بمرض "الجرب – السكابيوس"، والذي استمر ستة أشهر دون أي تدخل علاجي، رغم معاناته اليومية من الحكة الحادة والالتهابات الجلدية.
من عتمة الزنزانة إلى عتمة العيادة
حالة الغوشي تمثل نموذجا صارخا للقتل البطيء، الذي تمارسه سلطات الاحتلال بحق الأسرى. وبعد الإفراج عنه في السادس من أيار/مايو الجاري، خضع الغوشي لسلسلة من الفحوص الطبية، أظهرت نتائجها إصابته بتكتلات سرطانية في منطقة الحوض، وفشل في الكلية اليمنى، نتيجة الإهمال الطبي طويل الأمد وسوء ظروف الاحتجاز.
هذه الحالة جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى إنهاك الأسرى جسديا ونفسيا، وتدميرهم صحيا حتى بعد تحررهم ما يفاقم من معاناة عائلاتهم، ويحول أجسادهم إلى ساحات مفتوحة للوجع المستمر.
جريمة متكررة بأشكال متعددة
الغوشي واحد من مئات الأسرى المحررين الذين خرجوا من سجون الاحتلال بحالات صحية خطيرة. وكثيرون منهم اكتشفوا إصابتهم بأمراض مزمنة بعد فوات الأوان، نتيجة الحرمان المتعمد من التشخيص والعلاج. وتشير شهادات متعددة لأسرى محررين إلى تفشي أمراض كالجرب، والتهابات المفاصل، وأمراض الجهاز التنفسي، والسرطان، والفشل الكلوي، دون أي رعاية حقيقية تُقدّم من قبل إدارة السجون.
الأخطر من ذلك، أنّ كل أسير تقريبا بات يعاني من مرض أو حالة صحية، بعضها قابلة للعلاج، لكن معظمها تترك لتتفاقم حتى تصبح غير قابلة للعلاج أو تؤدي إلى الوفاة.
أرقام تنطق بالمأساة
بحسب المعطيات الأخيرة يقبع في سجون الاحتلال أكثر من 10,100 أسير، بينهم 45 أسيرة وأكثر من 400 طفل، إضافة إلى نحو 3,577 معتقلا إداريا دون تهم أو محاكمات. كل هؤلاء يواجهون ظروفا صحية وإنسانية متدهورة، في ظل سياسة ممنهجة تقوم على التجويع، والإهمال الطبي، والتعذيب الجسدي والنفسي، والحرمان من الحقوق الأساسية.
وقد أودت هذه السياسات المتعمدة، لا سيما بعد السابع من أكتوبر، بحياة عدد من الأسرى والمعتقلين، منهم من استشهد داخل السجن، ومنهم من خرج مريضا ليكمل رحلة الموت في مشافي غير قادرة على إنقاذ ما تبقى.
وفي ضوء تزايد أعداد الأسرى المرضى وافتقارهم لأبسط مقومات الحياة يدعو مكتب إعلام الأسرى إلى فتح تحقيقات دولية مستقلة، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الأسرى، باعتبارها خرقا واضحا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.
قصة محمد الغوشي هي جزء من مشهد جماعي من الألم وصرخة أخرى في وجه عالم يواصل الصمت.