الصحفي محمد قاعود : وجهي الذي لم أعد أتذكره
الصحفي محمد قاعود

لم أعد أذكر وجهي، كل ما أذكره هو حائط الزنزانة، والبرودة التي تسكن العظم، والظلام الذي يبتلع الصوت والنفس والتفاصيل. كنت صحفيا، أكتب عن الحرية، عن الحقيقة، عن الإنسان. لكن الحقيقة وحدها لم تكن كافية لتحميني من فم الظلم حين ابتلعني.  

في صباح باهت داهموني، لم أكن خائفا، كنت أظن أن الكلمة لا تكسر، لكنني كنت واهما بذلك الظن.

كانت التهمة هي الحروف، كانوا يريدونني أن أتراجع عن اسمي، عن قلمي، عن ضميري، فلم أفعل.

مرت الأيام في غرف التحقيق كأنها قرون. مئة يوم وأنا بين الجدار والعتمة. لم يتركوني أنام، لم يتركوني أفكر. كانوا يصيحون، يجلدون، يربطونني، يضربونني على رأسي حتى نسيت أمي، ونسيت المدينة التي ولدت فيها.  

كان الطعام؟ لا، لا تسأل عن الطعام.  

لكل أسير 100 غرام من خبز العفن، نصفه مبلل، مر، تعلوه خيوط خضراء. قطعة خضار واحدة، عفنة، لا تصلح لطعام حيوان. قليل من اللبن، وربما لا. كأننا نأكل كي لا نموت فقط، لا كي نعيش.  

والجسد؟

ثلاث دقائق للاستحمام بالماء البارد كل أسبوع. تخيل أن عليك خلع ملابسك والركض نحو صنبور بارد كالسكاكين، وتغتسل وأعينهم تراقبك، وهم يضحكون. كانوا يسحقون آدمية أجسادنا.  

أما العذاب؟

فلا حدود له. الضرب حتى الإغماء. الوقوف حتى تتورم القدمان. الشتم، الإذلال، التخويف، التنكيل. كانوا يحاولون سلخي عن نفسي، انتزاع اسمي، محو شكلي. حتى نسيت ملامحي.

لكن رغم كل ما مررت به، لم تنكسر روحي. جسدي تهالك، وملامحي بهتت، لكن في داخلي بقي بصيص لا يطفأ: الإيمان بأن الكلمة الحرة لا تسجن، وأن الحقيقة وإن حاصرها الجدار، فإنها تشق طريقها في العتمة.

خرجت من ظلام السجن لا كما دخلته، محمّلا بوجع لا يوصف، لكنه وجع يولد الوعي.

أنا الصحفي المحرر محمد قاعود ، لم أنس وجهي صنعته من جديد، من شظايا الألم، ومن ضوء الحقيقة الذي لا يغيب.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020