في زحام القيد والموت لم تعد السيدة الفلسطينية بمنأى عن الاستهداف وإنما أصبحت الكلمة التي تكتبها، أو الصورة التي تنشرها، أو حتى حكاية الوجع التي توثقها على صفحتها سببا كافيا لاقتحام بيتها وجرها إلى الزنزانة. فبينما يحاصر الاحتلال الأرض والكرامة، تمتد أذرعه لتطارد النساء في تفاصيلهن اليومية وتغلق خلفهن أبواب السجون بتهم جاهزة أبرزها ما يسمونه "التحريض ".
شهدت الأيام القليلة الماضية تصعيدا ملحوظا في حملة الاعتقالات التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق النساء الفلسطينيات، إذ اعتقلت 7 نساء وفتيات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية ليرتفع عدد الأسيرات القابعات حاليا في سجون الاحتلال إلى 47 أسيرة بينهن طفلتان وأسيرتان من غزة.
غالبيتهن وجهت إليهن تهمة "التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي"، وهي التهمة التي باتت سيفا مسلطا على رقاب الفلسطينيين تستخدمها سلطات الاحتلال أداة لتجريم حرية الرأي وتكميم الصوت الفلسطيني في وجه آخر من أوجه الاعتقال الإداري الذي يقوم على ملفات سرية وأدلة غامضة.
وكان من بين المعتقلات الطالبة الجامعية سلام رزق الله كساب من بلدة قريوت جنوب نابلس والتي اعتقلتها القوات بعد مداهمة منزل عائلتها، تاركة على بابه منشورا تحذيريا يتوعد كل من "يحرض" على الاحتلال بالمصير ذاته. كما طالت الاعتقالات السيدة هيام حكمت شحادة (56 عاما) بعد اقتحام منزلها وتخريب محتوياته في بلدة حوارة، والسيدة عائشة عبيات زوجة الأسير ربيع جبرين من تقوع، والطالبة عروب البرغوثي من رام الله.
ويحتجز أغلب الأسيرات في سجن "الدامون"، حيث يتعرضن لظروف اعتقال قاسية، من بينهن أسيرتان في مرحلة الحمل السادسة، وأخريان مريضتان بالسرطان، إحداهن حنين محمد جابر من طولكرم وهي والدة شهيدين، وقد صدر بحقها حكم بالسجن لثمانية أشهر مؤخرا.
كما يقبع عشر أسيرات رهن الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة، فيما ترفض سلطات الاحتلال الإفراج عن أسيرتين تعتقلان منذ ما قبل السابع من أكتوبر.
منذ بدء العدوان على قطاع غزة، وثقت مؤسسات حقوقية أكثر من 560 حالة اعتقال لنساء فلسطينيات شملت الضفة الغربية، والقدس، والداخل المحتل عام 1948، بينما لا تزال أعداد النساء اللواتي اعتقلن من غزة غير معروفة بدقة في ظل استمرار التعتيم والاحتجاز دون كشف مصيرهن.
الاحتلال لا يرى في المرأة الفلسطينية سوى مشروع خطر، حتى وإن كانت طالبة أو أما أو مريضة، فـ"التحريض" بات ذريعة لكل قيد والكلمة أصبحت قضية أمنية في ميزان الجلاد.