هنا يُبتر الجسد ويُقيد الصوت… شهادات من سجون الموت البطيء
تقرير خاص – إعلام الأسرى

في عتمة الزنازين، حين يختلط الصمت بالأنين، لا حاجة للمقاصل ولا لطلقات نارية، فهناك ما هو أشد فتكًا...

هناك طبيب يلبس معطفًا أبيضًا، يحمل بيده مشرطًا لا للشفاء، بل للبتر.

لم يكن خالد محاجنة حين دخل الزنازين محاميًا فقط، كان شاهدًا على موتٍ يومي، بطيء، يُمارَس تحت غطاء رسمي، وبأدوات طبية.

يقول: "الطبيب الإسرائيلي يرى أن بتر أطراف الأسير وهم مكبّلون، معصوبو الأعين، لا بأس به... الطبيب لا يُخبرك ما يحدث، فقط يشمّ راحة دمك، ويقرّر".

الأسير لا يُسأل إن كان يتألّم، لا يُعطى مسكنًا، لا تُعرض عليه خيارات، هناك سياسة واحدة فقط:

البتر... بلا تخدير، بلا شفقة، بلا إنذار.

يُمنع الأسير من الدواء، من الإبرة الأولى، من المسكن الأساسي.

تتآكل قدمه، تتقرّح ذراعه، يتعفّن اللحم وهو حي، حتى تصبح رائحة جسده أقوى من صوته.

حينها فقط، يُقرّر الطبيب أن "العلاج" هو قطع العضو.

لكن الجريمة لا تقف عند البتر.

في سجون الاحتلال، حتى الماء يتحوّل إلى سلاح، الأسير يُخرجونه مرة واحدة في اليوم لقضاء الحاجة.

الاستحمام؟ مرّة في الأسبوع، لا وقت لخلع الملابس، لا وقت لغسل الوجع.

خمس دقائق فقط... هي كل ما يُمنح له بين قذارة الزنزانة وقسوة التعذيب.

وإذا فكر أن يغتسل؟

"دقيقة استحمام قد تُفضي إلى غرفة التعذيب"، يقول محاجنة.

الأسير يعرف أن بين الماء الساخن والبارد، قد يكمن محقق.

يفتحون عليه الماء فجأة، يقطعونه فجأة، يسحبونه فجأة… ولا يعود.

والقيود؟ لا تُرفع.

الأسير المشلول يأكل وهو مقيّد، ينام وهو مقيّد، يعالج وهو مقيّد.

النهار والليل سواء... السلاسل لا تنفكّ.

في هذا المكان، الطب ليس علماً، بل تعذيب،

الطبيب ليس مداويًا، بل شريكٌ في الجريمة.

في المستشفيات الإسرائيلية داخل السجون، لا يدوَّن التاريخ الطبي للأسير، بل موعد موته.

يُقال له: هذه ذراعك الأخيرة، هذا طرفك الأخير، وهذا توقيع الطبيب الذي قرر أن الحياة ترفٌ لا تستحقه.

هكذا يُسلب الجسد من داخله،

لا بصراخ، بل بصمت…

لا بجلاد، بل بطبيب…

وهكذا يموت الأسرى، وهم أحياء.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020