في زمن الحرب والمجازر، وبين صرخات الجرحى وأنين الأطفال، ينهض اسم الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية كرمز نقيّ للوفاء الإنساني، بعد أن أعلنت مؤسسة محامون من أجل العدالة منحه جائزة نزار بنات لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان لعام 2025، تكريماً لشجاعته وإصراره على حماية الحياة تحت القصف والاعتقال.
من هو حسام أبو صفية؟
الدكتور حسام إدريس أبو صفية، مواليد 1973 في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، طبيب متخصص في طب الأطفال وحديثي الولادة.
شغل منصب مدير مستشفى كمال عدوان، وبقي في المستشفى أثناء القصف الإسرائيلي المكثف على شمال القطاع، معالجاً مئات الأطفال رغم فقدانه نجله إبراهيم بقصف مباشر على مدخل المستشفى، ورغم إصابته بشظايا طائرة مُسيّرة.
في صباح 27 ديسمبر 2024، اقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى، واعتقلته من بين المرضى، لتنقله إلى المجهول.
أبو صفية بين الضلوع المكسورة والحصار الإداري
لم تكتف سلطات الاحتلال بقصف المستشفى واغتيال ابنه، بل اختطفته من غرفة العمليات، وحولته إلى رقم في سجون العزل والتنكيل.
داخل السجون، خضع أبو صفية لتحقيقات قاسية في "سدي تيمان" ثم "عوفر"، منها جلسات امتدت 13 يومًا بلا توقف، تعرّض خلالها لـ: الضرب بعصي وأدوات صاعقة كهربائية، إجباره على الجلوس مكبلًا على حصى مدببة لساعات، الحرمان من الطعام والنوم، الإغماء بسبب الاختناق وضعف التنفس.
ووفق ما أكده محاموه ومركز الميزان لحقوق الإنسان: كُسرت أربعة من أضلاعه، تورمت إحدى عينيه وبدأ يعاني من اضطرابات في الرؤية، فقد 12 كغم من وزنه خلال أسابيع قليلة، بدأت تظهر عليه أعراض تضخم عضلة القلب، ارتفاع الضغط، وفقدان الوعي المتكرر.
رغم ذلك، مددت محكمة بئر السبع اعتقاله الإداري في مارس 2025 لستة أشهر إضافية، بموجب "قانون المقاتل غير الشرعي"، وهو تصنيف قانوني إسرائيلي يُستخدم لتجريد المعتقل من أي ضمانات قانونية أو محاكمة.
هذه ليست مجرد انتهاكات... هذا نموذج حي للتعذيب البطيء الممنهج"، قالت محاميته غيد قاسم.
منظمات دولية مثل العفو الدولية، أطباء من أجل حقوق الإنسان، المرصد الأورومتوسطي، وفرونت لاين ديفندرز، طالبت بالإفراج الفوري عنه، واعتبرت استمرار احتجازه تهديدًا مباشرًا لحياته.
جائزة نزار بنات: تكريم من جرح مفتوح
في الذكرى الرابعة لاغتيال الناشط الحقوقي الفلسطيني نزار بنات، أعلنت مؤسسة محامون من أجل العدالة فوز الدكتور أبو صفية بالجائزة السنوية التي تحمل اسمه، وقالت اللجنة:
"اختار أن يبقى بين مرضاه لا خلف حدود النجاة. كان بإمكانه أن يرحل... لكنه اختار أن يحيا طبيباً وإنساناً حتى آخر نبضة."
الجائزة، في دورتها الأولى لعام 2025، خُصصت لتكريم من يدافع عن كرامة الإنسان تحت النار والقمع، جاء فوز أبو صفية ليعيد تعريف البطولة: ليست فقط من يحمل السلاح، بل من يحمل حياة الآخرين على كفه، ويصمد.
حين يصبح الطبيب أسيرًا... والضمير شاهدًا
لم يكن حسام أبو صفية يسعى إلى جائزة، كان يبحث عن أنبوبة أوكسجين، حضّانة طفل، قطرة مصل، كان يريد فقط إنقاذ من يمكن إنقاذه.
لكنه الآن، رمز إنساني يتجاوز الجغرافيا.
إنه الطبيب، الأب، الأسير... والمقاتل من أجل الحياة.