مكتب إعلام الأسرى
في المعتقلات المظلمة، لا يُسمع سوى صوت أنفاس متقطعة وقلق لا يهدأ. طفل في السابعة عشرة من عمره، أُعتقل في الليل، اقتيد معصوب العينين، ولم يُخبر لماذا. لم يُمنح حق الاتصال بعائلته، ولم يُقابل محاميه. ستة أشهر مرت، ثم توقف قلبه في سجن مجدو... بهدوء، كما تُسلب الحياة من ظل، حكاية الطفل وليد خالد عبد الله أحمد، والذي من المرجح أن يكون سبب وفاته هو مزيج من الجوع والجفاف بسبب الإسهال الناجم عن التهاب القولون والمضاعفات المعدية، والتي تفاقمت جميعها بسبب سوء التغذية لفترات طويلة والحرمان من التدخل الطبي المنقذ للحياة.
هكذا تنتهي القصة قبل أن تبدأ، ولا تشكل استثناءاً. بل جزء لا يتجزئ من سياسة ممنهجة تمارسها إسرائيل بحق الأطفال الفلسطينيين، كما توثّق مؤسسة "الدفاع عن الأطفال الدولية - فلسطين"، التي تشير إلى أن نحو 37% من الأطفال الفلسطينيين المعتقلين يُحتجزون دون تهم رسمية، في ما يعرف بـ"الاعتقال الإداري". هذا النوع من الاحتجاز يتم بموجب ملفات سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويُمدّد لفترات مفتوحة دون محاكمة أو لائحة اتهام.
بموجب المادة (37-د) من اتفاقية حقوق الطفل، يحق لكل طفل الطعن في قانونية اعتقاله، والحصول على تمثيل قانوني فوري، كما يُمنع احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي. لكن الاحتلال الاسرائيلي، حسب التقارير الحقوقية المتطابقة، تمنع بشكل ممنهج الأطفال المعتقلين من التواصل مع عائلاتهم، وترفض السماح بزيارات المحامين خلال الأيام الأولى الحرجة للاعتقال، حيث يجري التحقيق المكثف في ظروف قاسية، غالبًا ما تشمل العزل والحرمان من النوم والطعام الكافي.
وما يزيد المشهد وجعًا، هو أن الاحتلال يتعامل مع الأطفال كما يتعامل مع البالغين، في نفس غرف التحقيق، ونفس الزنازين، ونفس المحاكم العسكرية، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الدولية. وفي كثير من الأحيان، يُنتزع الاعتراف منهم بالقوة أو بالتهديد، ثم يُستخدم كدليل وحيد ضدهم في المحكمة.
بحسب توثيقات منظمة "بتسيلم" و"هيومن رايتس ووتش"، فإن نحو 500 إلى 700 طفل فلسطيني يُعتقلون سنويًا، ويمر معظمهم بنفس الحلقة المفرغة: اقتحام ليلي، احتجاز دون تهمة، غياب للتمثيل القانوني، وحرمان من رؤية الأسرة. أما النتيجة فهي غالبًا أحكام بالسجن، أو تجديد اعتقال إداري لا يعرف الطفل متى ينتهي.
مكتب إعلام الأسرى يؤكد أن ما يتعرض له الأطفال الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال من اعتقال تعسفي، وحرمان من الحقوق الأساسية، وتعذيب نفسي وجسدي، يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني واتفاقية حقوق الطفل. ويُطالب المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه هذه الجرائم والعمل الجاد من أجل حماية الطفولة الفلسطينية من غطرسة الاحتلال وإرهابه المنظم.
ما يُرتكب بحق أطفال فلسطين في السجون الإسرائيليةهو انتهاك صارخ لحقوق الانسان يرقى لوصفه عقاب جماعي ممنهج، واستهداف للبراءة كأداة لردع مجتمع بأكمله.