تتعاظم الابتلاءات في بيوت أبناء مخيم جنين الصامد، المخيم الذي تُرك يواجه مصيره وحيداً. تمتد حكاية البطولة ورائحتها لتصل إلى كل بقاعه، واليوم نزح أهله مع آلامهم وقصصهم المؤلمة نحو المجهول، وتُركت كثيرٌ من النساء وحيدات بعد اعتقال الرجال، يحملن عبء الأيام والانتظار والمحاكم ومطاردة المحامين للحصول على زيارة تخفف من عطشهن لأخبار أزواجهن وأبنائهن، ومعرفة ظروفهم الاعتقالية في ظل انقطاع الأخبار منذ حرب السابع من أكتوبر.
زوجة الأسير عماد عمر سعيد أبو الهيجا، المعتقل وهو في التاسعة والعشرين من عمره، فيما بلغ اليوم الثانية والثلاثين، من سكان مخيم جنين والنازحة حالياً لوحدها، تخوض ابتلاءات متراكمة وتعيش مع زوجها حرباً من الشوق والانتظار والترقب. سرق الاعتقال فرحتها، فبعد ثلاثة أشهر فقط على زواجها خُطف زوجها عماد، وسرق النزوح طمأنينتها بعد أن فقدت بيتها في المخيم. هي واحدة من نساء كثيرات انتهجن الصبر الأيوبي طريقاً.
في ٢٣/٨/٢٠٢٢ اعتقل الاحتلال الأسير عماد أبو الهيجا، بعد سبعة أشهر فقط من تحرره من اعتقال سابق، وبعد زواجه بثلاثة أشهر فقط. وكان هذا اعتقاله الخامس في سجون الاحتلال. تقول زوجته في حديثها لمكتب إعلام الأسرى: "هذا هو الاعتقال الخامس لعماد، وتبلغ مجموع سنوات اعتقالاته المتفرقة ٨ سنوات ونصف، وحتى اليوم أمضى ٣٨ شهراً في هذا الاعتقال".
الأسير أبو الهيجا صاحب ملف إداري؛ إذ جرى تمديد اعتقاله الإداري ٨ مرات. تقول زوجته: "عماد اعتقل أثناء خطوبتنا التي استمرت سنة ونصف، واليوم في زواجنا اختطفته السجون بعد ثلاثة أشهر. هذا الاعتقال مؤلم أكثر من غيره نتيجة غياب الأخبار. نعلم أن زوجي فقد ٣٥ كيلوغراماً من وزنه، وكان في سجن نفحة وعلمت مؤخراً أنه موجود في سجن عوفر".
تخوض زوجة الأسير أبو الهيجا معركة الجندي المجهول في حياتها الراهنة؛ فقد أخذت على عاتقها التواصل مع المحامين لمعرفة أخباره الشحيحة. علمت عبر زياراتهم أن الطعام شحيح لديه، وأنه لا يملك ملابس احتياطية سوى ما يرتديه، إضافة إلى فقدانه الكبير للوزن ومعاناته من أوجاع في أسنانه.
الأسير أبو الهيجا ينحدر من عائلة قدمت الكثير لفلسطين من دمائها وأعمارها وأموالها؛ فقد شقيقه محمد شهيداً عام ٢٠٠٧، ونزحت عائلته وزوجته من مخيم جنين عقب الاجتياحات المتكررة وممارسات الاحتلال الممنهجة. تقول زوجته: "بيتنا في مخيم جنين غير صالح للسكن حالياً بعد اقتحامات الاحتلال المتكررة وتخريبه. الأحداث جاءت متراكمة؛ اعتقل الاحتلال والدي الشيخ بسام السعدي في بداية آب ٢٠٢٢، ثم اعتقل زوجي في نهاية الشهر ذاته، وبعدها اعتقل إخوتي. بقينا نحن النساء نواجه الحياة وحدنا. اعتدت على الصبر لكثرة اعتقالات والدي، لكن الألم اليوم مضاعف، فمنذ سنتين حرمنا حق الزيارة ومعرفة الأخبار. كنت أزوره كل شهر قبل الحرب، أما اليوم فنحاول جهدنا معرفة أخباره. الابتلاء صعب، خاصة أني عشت معه فترة قصيرة فقط".
اضطرت زوجة الأسير لتأجيل فرحة مناقشة رسالة الماجستير الخاصة بها، على أمل أن يكون زوجها قد نال حريته. وقد قُدّمت عدة جلسات استئناف ضد حكمه الإداري، لكن المحاكم الإسرائيلية رفضتها جميعاً، ولا تعلم العائلة مستقبل ملفه.
حُرم الأسير من حضور فرح شقيقته ومن قدوم مولودها الجديد، وحُرم من حقه في رعاية عائلته وسط آلام النزوح. اليوم تعيش العائلة أسوأ مراحل حياتها، إذ تعرضت لسياسة قطع راتبه دون مبررات واضحة، وأصبح مجرد التفكير في المستقبل ترفاً صعباً.
يؤمن ذوو الأسير أن عماد سيبذل حين ينال حريته جهداً ليبدأ من جديد، ليبني بيتاً وحياةً له ولزوجته من الصفر، وليعيد لقلوبهما بعض الفرح. حتى ذلك الحين، تبقى زوجته تترقب طيفه وسط عاصفة النزوح، فيما يلتهم الاعتقال الإداري من عوفر أبسط حقوقه في حياة عادية، باتت اليوم بالنسبة لهم مجرد رفاهية.