1615 أسيرًا بلا رواتب وعوائلهم تكافح غلاء زيارات المحامين
تقرير/ إعلام الأسرى

لا بد أن الفنان السوري سميح شقير كان حاضراً في الحقبة الزمنية التي نعيشها في فلسطين اليوم حين غنّى أنشودته الشهيرة "يا حيف". هل استدعى خياله الثوري ما سيحدث في مستقبل بلادٍ تصارع كبلاده؟ هل كان إلى جانب عائلات الأسرى الفلسطينيين وهم يُحاصرون حتى في النعش الأخير لحياتهم حين قال: تقتل ولادي وانت ابن بلادي؟

من المخوّل اليوم بمتابعة الحياة الصعبة لأهالي الأسرى في ظل حرمانهم من حق الراتب؟ الراتب الذي لم يكن يمرّ من حلوقهم حتى، بل كان يذهب لتوفير زيارة لأبنائهم لمعرفة ما أحدثته السجون من جديدٍ يُضاف إلى عذاباتٍ لا تنتهي.

المعاناة المعيشية

تؤكد إحصائيات لجنة أهالي الأسرى أن عدد الأسرى الذين قُطعت رواتبهم قد وصل إلى ١٦١٥ أسيراً. اليوم تجد عائلات الأسرى نفسها أمام صراع جديد يُضاف إلى معاركهم اليومية مع اعتقال أبنائهم. مكتب إعلام الأسرى يسلّط الضوء على هذه الحقبة الاقتصادية الممنهجة التي تضرب في أجساد أهالي الأسرى، ويطالب المسؤولين بالوقوف عند مسؤولياتهم تجاه ما يُمارس بحقهم من تكبيل لشؤون حياتهم المعيشية وحتى شؤون أبنائهم الأسرى.

أعداد كبيرة من الأهالي لا يملكون اليوم تقديم تكاليف لمحامين خاصين لزيارة أبنائهم في سجون الاحتلال، لأن راتب الأسير كان يغطي هذه الأتعاب. واليوم يمارس بعض المحامين تجارة في زياراتهم، حيث لا يلتزم معظمهم بالتسعيرة المحددة. يسأل الأهالي يومياً عبر وسائل التواصل عن المحامي الأنجح والأقل تكلفة. ففي أعقاب حرب السابع من أكتوبر وقطع رواتب عدد كبير من الأسرى، وفي ظل غياب الزيارة العائلية، أصبح المحامي وسيلة التواصل الوحيدة بين الأسير وذويه.

هناك بيوت كان راتب الأسير يسدّ رمقها في غياب الأب أو الأخ الذي غالباً ما يكون المعيل الأبرز، لكنهم حُرموا من هذا الحق بغير وجه حق وعلى مرأى من الجميع.

استهداف الرموز

الأمر الأكثر إجحافاً هو أن رموز الحركة الأسيرة تعرّضوا لسياسة قطع الراتب: أسماء كبيرة مثل عباس السيد، بلال البرغوثي، أكرم القواسمي، وقيادات من جنين مثل الشيخ بسام السعدي ونجله يحيى، إضافة إلى جمال أبو الهيجا ومعمر الشحرور وغيرهم. أسرى بسجل نضالي ثقيل وعمر من التضحيات يقابلون اليوم بقطع لقمة عيش عائلاتهم.

الأسير القائد محمد زكريا حمامي (45 عاماً) من مدينة نابلس، المحكوم بالسجن المؤبد 3 مرات، حُرم من راتبه، وهو غير متزوج، الأمر الذي جعل عائلته تتحمّل وحدها عبء توفير تكاليف المحامي لزيارته ومتابعة قضيته، في وقتٍ كان فيه راتبه يسدّ هذه الحاجة الأساسية.

الأسير المقدسي المناضل أكرم إبراهيم القواسمي (51 عاماً)، المحكوم بالسجن المؤبد مرتين، حُرم أيضاً من راتبه. عائلته تؤكد أن هذا الإجراء سلب منهم حقاً مشروعاً كما سُلبت حريته.

الشيخ بسام السعدي ونجله يحيى من مخيم جنين، تعاني عائلتهم من النزوح بعد اجتياح المخيم واعتقال الأب والابن، وزاد الطين بلة قطع راتبهم الذي كان يمكن أن يسدّ بعض آثار هذه الكارثة.

الأسير جمال عبد السلام أبو الهيجا (66 عاماً) من جنين، صاحب التسعة مؤبدات و20 سنة إضافية، يُحرم هو وأبناؤه المعتقلون عبد السلام وعاصم وبنان من حق الراتب، بينما تعيش عائلتهم مرارة النزوح والاعتقال والحرمان.

الأسير القائد عباس السيد من طولكرم، المحكوم بـ 35 مؤبداً منذ 2002، يُحارب اليوم في لقمة عيش عائلته بعد قطع راتبه.

الأسير القيادي بلال يعقوب البرغوثي (49 عاماً) من بيت ريما/رام الله، المحكوم بـ 17 مؤبداً، يعاني من التضييق والقمع ويُضاف إلى معاناته قطع راتبه الذي كان يخفّف عن عائلته تكاليف الحياة والزيارات.

عائلة الأسير رزق عبد الله رجوب (65 عاماً) من سكان دورا/الخليل، تعاني من قطع راتبهم أيضاً؛ الراتب التقاعدي للأب مقطوع، وتم قطع راتب أولاده محمد رجوب (19 عاماً) وأحمد الرجوب (35 عاماً) أيضاً. العائلة التي بقيت بلا معيل بشكل كامل تؤكد أن راتب أحمد مقطوع منذ أكثر من 4 شهور، في حين لم يتم صرف راتب لمحمد أبداً.

الأسير الشيخ رزق الرجوب يدخل سنته الـ31 في الاعتقال على مدار 13 اعتقالاً، اعتُقل بتاريخ 12/6/2023، ويخوض معركة ملف إداري متجدد، كما يعاني من مشاكل صحية بعد تعرضه للضرب على رأسه ما أفقده الذاكرة لمدة. واليوم تنتظر العائلة انتهاء تمديد اعتقاله الإداري في هذا الشهر.

ابناه محمد وأحمد، لكل منهما عائلة وأبناء. أحمد يُنهي في شهر نوفمبر القادم سنتين اعتقال إداري، في حين أن محمد، الذي رفض زيارات المحامين نتيجة تعرّضه للضرب في كل مرة، يُنهي في شهر ديسمبر القادم سنة في الاعتقال الإداري.

عائلة الأسير الحروب مثال على الصبر والجلد، تحتاج أن يُنظر إليها بعين من الكرامة وردّ الواجب النضالي، فهي اليوم تُترك نساؤها بلا معيل وبلا سند.

تكلفة الزيارات 

اليوم تتحدث عائلات الأسرى عن دفع مبالغ قد تصل إلى 2000 شيكل أي أكثر من 500$ للمحامي الواحد لزيارة أسيرهم فقط، بينما تصل تسعيرة زيارة سجون مثل نفحة وريمون إلى مبالغ تتجاوز المعقول، في حين تراوح تسعيرة النقب ومجدو عند 800 شيكل. هذه الأرقام فوق قدرة أي عائلة فقدت مصدر رزقها الأساسي بقطع راتب أسيرها.

تتوقف الحياة بالنسبة لعدد كبير من أهالي الأسرى على هذا الراتب. مبلغ قد يراه البعض عادياً، لكنه عندهم يسقط عنهم واجباً ثقيلاً ويمنحهم بعض الأمان. هؤلاء لا يستجدون العطف ولا يطلبون الشفقة، بل يطالبون بحقوقهم. رموز بثقلهم ونضالهم يحتاجون إلى وقفة كل إنسان حر للضغط على أصحاب القرار لرفع هذه المقصلة عن رقابهم.

ويبقى صدى صوت سميح شقير يتردد: يا حيف... وانت ابن بلادي تقتل بولادي، فهل من مجيب؟

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020