 
                        في شهادة تقطر ألماً وتفاصيل من قلب الجحيم، يروي الأسير المحرر الصحفي عماد الإفرنجي ما عاشه من صنوف العذاب والتنكيل منذ لحظة اعتقاله من مجمع الشفاء الطبي بعد حصاره من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، في واحدة من أبشع الجرائم التي طالت الطواقم الصحفية والطبية على حد سواء.
يقول الإفرنجي:“اقتحموا المكان وأجبرونا على خلع ملابسنا واقتادونا إلى العيادات الخارجية في مجمع الشفاء، وهناك انهالوا علينا بالضرب، وقيّدوا أيدينا إلى الخلف بأغلال بلاستيكية مؤلمة. بعد يوم أو أكثر، في منتصف الليل، نُقلنا إلى سجن ’سيدي تمان‘… وهناك بدأت رحلة العذاب الحقيقية.”
يوصف الإفرنجي السجن بأنه مكان كبير مقسّم إلى ثمانية أقسام، يضم كل قسم ما بين مئة إلى مئةٍ وعشرين أسيراً.
“كنا مقيدي الأيدي بالأغلال الحديدية على مدار 24 ساعة، معصوبي الأعين، نجلس على ركبنا، لا يُسمح لنا بالكلام، ولا بالنظر إلى أحد، ولا حتى بالصلاة أو الوضوء. من يغلبه النوم يُعاقَب بإجباره على رفع يديه لساعات أمام الجدار الحديدي أو يُسحب إلى قفص معدني يُضرَب داخله بوحشية.”
يصف الصحفي المحرر ظروف التحقيق بأنها من أقسى المراحل:
“يُجبرونك على خلع ملابسك بالكامل قبل دخول غرفة التحقيق، حيث تنتظرك جولات طويلة من الضرب والإهانات والتهديد بالقتل لك ولعائلتك. يسألونك إن كان بيتك قد قُصف، ويُمعنون في إذلالك عند كل إجابة.”
ولأن الإفرنجي صحفي، كانت معاناته مضاعفة؛
فيقول: “كونك صحفيًا يعني أنك في نظرهم مذنب أكثر، لأنك تكشف جرائمهم وتفضح انتهاكاتهم، ولأنك شاهد على الحقيقة التي يخشونها، كانت المعاملة أقسى والتعذيب أشدّ.
ويضيف: "استخدموا سلاح الجوع ضدنا، بالكاد نحصل على قطعتين صغيرتين من الخبز ونصف ملعقة مربى في اليوم. المرضى يُتركون دون علاج، وأنا نفسي مرضت مرتين ولم أتلق أي رعاية.”
أما مشهد النقل بين الأقسام أو إلى غرف التحقيق، فيحكيه الإفرنجي بمرارة:
“من لحظة خروجك من القسم وحتى وصولك إلى أي مكان آخر، تبدأ جولة جديدة من الضرب والإهانات. لا نجاة من العذاب في كل حركة.”
ويؤكد أن عمليات القمع الجماعي كانت تتكرر أسبوعياً على الأقل:
“يقتحم الجنود المدججون بالسلاح الأقسام وهم يرمون قنابل الصوت ويضربون الأسرى المقيدين بوحشية. كثيرون أصيبوا بكسور في الأيدي والصدور، وبعضهم استُشهد، مثل الأسير إسلام السرساوي.”
تختتم شهادة الإفرنجي فصلاً من الوجع والعذاب، تكشف جانبًا من الجحيم الذي يعيشه الأسرى والصحفيون الفلسطينيون خلف القضبان. ورغم القيد والوجع، خرجوا من الأسر أكثر قوةً وإصرارًا على مواصلة طريق الحقيقة، مواصلين دفاعهم عن الأسرى وعن صوتهم الحرّ