أفرج عن الأسير المحرر المقدسي أيمن سدر من حي راس العامود في صفقة "طوفان الأحرار الثالثة" بعد اعتقال دام 30 عاماً (منذ 1995)، كان محكوماً بالسجن المؤبد و30 سنة. تُعد شهادته وصفاً مباشراً لما واجهه الأسرى داخل سجون الاحتلال، وما طرأ بعد 7 أكتوبر من تصعيدٍ وصفه بـ"الإبادة" داخل السجون — تفصيلات عن اقتحامات عنيفة، ضرب مبرح، تجويع ممنهج، إهمال طبي، ونقل تعسفي يصاحبه تعذيب مستمر.
أيمن سدر، أسير مقدسي من حي راس العامود، قضى ثلاثين سنة في سجون الاحتلال قبل أن يتحرر ضمن صفقة تبادل. قصته تُستخدم كسرد مركزي يكشف عن واقع المعاملة داخل السجون والاختلاف الحاد في ظروف الأسر قبل وبعد 7 أكتوبر.
لغة التنكيل: اقتحامات ووحدات القمع
تصف الشهادة اقتحامات عنيفة تقوم بها وحدات خاصة مثل "ميتسادا" و"اليماز" ووحدات السجن نفسها. أساليب القمع تتضمن: اقتحام الغرف حتى أثناء تواجد الأسير في الحمام وسحبه مقيّداً، ضرب مبرح بالهراوات، الدعس على الرقبة، إدخال كلاب، قنابل صوتية في ساعات الليل أو الفجر، وإطلاق نار داخل الغرف والساحات. يصف سدر أن الهدف من هذه الاقتحامات هو "كسر معنويات الأسير وتصفيته"، وأن كثيرين تعرضوا لإصابات مباشرة بالرصاص.
التجويع كسياسة ممنهجة
التجويع يوصف بأنه "برنامج معين" يهدف لإضعاف جسد الأسير وإبقائه حيّاً بالحد الأدنى فقط ليتعرّض للتعذيب. تُذكر ممارسات مثل تقليص حصص الطعام الواحدة لجميع الأقسام بغض النظر عن العدد، ونقص التوزيع عمداً على أسرى غزة، ما أدى إلى حالة جوع قصوى بينهم.
النقل التعسفي وسلسلة العذاب
يتحدث سدر عن آلية نقل الأسرى من زنزانة إلى أخرى أو من سجن إلى آخر كسلسلة من الإذلال: تقييد الأصفاد خلف الظهر، ضرب أثناء النقل، إطلاق كلاب، إطلاق نار أثناء انتظار البوسطة، تعرّض بعض الأسرى للأذى الجنسي والبدني داخل المناطق "العمياء" عن الكاميرات، وضربات تكسير على الأعضاء التناسُلية، والتفتيش العاري. ويُشير سدر إلى أن شدة التعذيب تتناسب مع "ثقل الملف" وانتماء الأسير.
الإهمال الطبي وغياب العلاج
تشير شهادة المحرر سدر إلى غياب كامل للعلاج: لا مسكنات بسيطة (حتى "أكامول" أصبح نادراً)، التأخير في وصول الممرض، تجاهل التدهور الصحي للأسير المصاب حتى النزيف أو الموت. مثال مأساوي ذكره: نداءات لسجانين وممرضين عندما أصيب أسير بنزيف دماغي، مع تأخير في وصول الممرض حتى مع توسع بقعة الدماء، وبعد وصول الممرض سأل إن كان الأسير ما يزال على قيد الحياة أو مات لنقل جثمانه، وغادر دون أن يلقي أي نظرة على الأسير النازف.
الحرمان من أساسيات الحياة الإنسانية
بعد 7 أكتوبر ولفترات طويلة، عاش الأسرى حالة حرمان قصوى: انقطاع الماء، فقدان الحمامات أو منع استخدامها، عدم وجود ملابس شتوية أو بطانيات كافية، منع مواد التنظيف، مصادرة أي وسيلة اتصال أو إعلام (تلفاز، راديو، صحف، جوالات). بعض الأسرى أبقوا مقيّدين تحت المطر لليلة كاملة. التعرّض لليُتم المعلوماتي والعزلة التامة عن العالم كانت جزءاً من أدوات الترهيب.
استهداف أسرى غزة: تصفية معنوية وجسدية
وفق شهادة سدر، كانت معاملة الأسرى القادمين من غزة أكثر قسوة: ربطٌ بحديد السرير لعِدّة أشهر، تعرّضوا للعُري والإجهاد، حالات نُسب إليها قطع أيدٍ نتيجة غرغرينا بعد تعذيب مستمر، وكأن الهدف كان "التصفية" وليس مجرد العقاب. رغم ذلك، أكد أن معنويات أسرى غزة كانت عالية جداً رغم الدمار والابادة التي شهدوها، وعلى الرغم من الانتقام والتنكيل، يروي سدر أن بعض الأسرى كانوا يضحكون بعد حملات القمع، فالروح المعنوية لدى كثير من الأسرى، خصوصاً من غزة، ظلت قوية ومتصلبة، مستلهمة من ما شهدوه في أرضهم من دمار وصمود.
فيما يشير إلى أن قيادات الحركة داخل الأسر كانت تستهدف للتصفية، دون أي اعتبار أو قيمة لعمر القيادي ومرضه ورمزيته.
أخيرًا.. تُقدّم شهادة المحرر المقدسي أيمن سدر وثيقةً خطيرة عن تحول بيئة سجون الاحتلال بعد 7 أكتوبر إلى مساحةٍ تصعيدية من التنكيل والتعذيب والإهمال الطبي المتعمد. من هذه الوقائع ينبثق مطلبان أساسيان: الأول توثيق الانتهاكات بشكل مستقل وشفاف لضمان حق الضحايا في الحقيقة والعدالة، والثاني الضغط على الهيئات الإنسانية والقانونية الدولية لفتح تحقيق فوري في مأساة الأسرى والعمل على ضمان وصول علاج وإنقاذ حياة من هم في خطر. كما أن إطلاق سراح الأسرى ومعالجة ما لحق بهم جسدياً ونفسياً تبقى خطوة إنسانية وضرورة أخلاقية لا تقبل التأجيل.