تتواصل فصول الانتهاكات المروعة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي بحق قيادات الحركة الأسيرة في ظل تصعيد قمعي ممنهج وغير مسبوق منذ السابع من أكتوبر، يتجلى في أشكال متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي، والعزل الانفرادي، والإهمال الطبي المتعمد، وصولا إلى سياسة "الاغتيال البطيء" التي باتت واقعا يوميا يهدد حياة المئات من الأسرى الفلسطينيين وعلى رأسهم قادة ورموز الحركة الأسيرة.
القائد الأسير عباس السيد المعتقل منذ عام 2002 والمحكوم بالسجن المؤبد 35 مرة يتعرض لواحدة من أقسى حالات التنكيل في العزل الانفرادي بسجن ريمون، حيث يواجه تعذيبا جسديا متكررا، وتجويعا ممنهجا، وإهمالا طبيا فادحا أدى إلى تدهور خطير في حالته الصحية. يعاني السيد من التهاب حاد في العينين نتيجة حرمانه من العلاج، ما أثّر على قدرته على الرؤية، إلى جانب ظهور حبوب جلدية ملتهبة تطورت إلى التهاب جلدي واسع، دون أي تدخل طبي.
الحال لا يختلف كثيرا بالنسبة للقائد عبد الله البرغوثي في سجن جلبوع الذي يتعرض لمحاولة تصفية ممنهجة عبر جولات متكررة من الضرب الوحشي، وإدخال الكلاب لنهش جسده، وسكب مواد تنظيف حارقة عليه بعد كل تعذيب، ما أدخله في غيبوبات متكررة دون أن يحظى بأي رعاية طبية.
أما القائد حسن سلامة فيقبع في العزل منذ شهور داخل سجن مجدو، يتعرض لاعتداءات جسدية متواصلة ويحرم من النظارات رغم ضعف بصره، ويعاني من تساقط الأسنان وهزال شديد أوصله إلى وزن 62 كغم.
وفي السياق ذاته يعاني القائد مهند شريم من فقدان الوزن بشكل مقلق بلغ 45 كغم، وصعوبة كبيرة في النطق والحركة، فيما يحرم القائد معمر شحرور من العلاج اللازم لمرض الروماتيزم، ويعذب بشكل يومي عبر الضرب والتجويع المتعمد في زنزانة مليئة بالرطوبة والحرمان ما زاد من ألمه ومعاناته وسط صمت دولي مطبق.
كما تزداد خطورة وضع الشيخ الأسير محمد النتشة الذي يواجه الإهمال الطبي في ظل تدهور متسارع لحالته الصحية.
تندرج هذه الانتهاكات ضمن سياسة رسمية أعلن عنها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي أطلق خطة تهدف إلى "تحسين العقوبة" بحق الأسرى الأمنيين عبر تقليص المساحات المعيشية، وحرمانهم من الزيارة والاستحمام، ومنع المحامين وممثلي الصليب الأحمر من زيارتهم في تجاوز صارخ لكل القوانين والاتفاقيات الدولية.
رغم وضوح الجريمة وتكرار مشاهدها لا يزال المجتمع الدولي يلتزم الصمت في وقت تحذر فيه منظمات حقوقية فلسطينية من أن ما يتعرض له الأسرى يمثل جريمة منظمة وخرقا فاضحا لاتفاقيات جنيف.
ويؤكد مكتب إعلام الأسرى أن ما يجري داخل السجون هو "جريمة اغتيال بطيء تستدعي تدخلاً عاجلًا "، مطالبا بإجراء تحقيق دولي مستقل وزيارات عاجلة للمؤسسات الحقوقية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتشير بيانات نادي الأسير الفلسطيني إلى أن عدد الأسرى في سجون الاحتلال تجاوز مع مطلع أبريل 2025 حاجز 9900 أسير، بينهم نحو 400 طفل و27 أسيرة، في حين ارتقى منذ 7 أكتوبر 65 أسيرًا نتيجة التعذيب والإهمال وسوء ظروف الاعتقال، ما يجعل استمرار الصمت العالمي تواطؤًا مع القتلة.
في الزنازين حيث يحرم الإنسان من الضوء والهواء، يخوض قادة الحركة الأسيرة معركة البقاء والكرامة، يواجهون الموت كل يوم بصمت لا يسمعه العالم، لكنه يصرخ في وجدان كل من بقي له ضمير.
إن ما يتعرض له هؤلاء الرموز ليس فقط انتهاكا لحقوقهم إنما اغتيال متعمد لفكرة الحرية والصمود، وإن لم يتحرك العالم اليوم فإن جدران السجون ستبقى شاهدة على جريمة مكتملة الأركان ترتكب بحق شعب بأكمله، قادته خلف القضبان، وقضيته لا تزال تبحث عن عدالة مفقودة.