أن تقف مكتوف الأيدي لا تملك سوى أن تنتظر مصير ابنك وهو على بعد أميال فقط منك، أن تتخوف من اتصالٍ هاتفي مفاجئ، أو من سؤال عابر عن حالته، أن ترصد أخباره عبر أي شخصٍ في أي بقعة، وأن تتابع أخبار الواقع الفلسطيني بقلبٍ يرجو أن يصبح كل شيء ذكرى عابرة، أن تعيد مراراً وتكرراً للجهات المختصة بأن لديك ابناً في بقعة جغرافية من هذا العالم يستحق لحظة من اهتمام، وجزء ولو يسير من المطالبة بأبسط الحقوق الإنسانية.
هذا هو حال عائلة الأسير الجريح مصطفى محمود محمد مسالمة(20عاماً) من سكان منطقة الدوحة في مدينة بيت لحم، هذه العائلة التي انقلبت حياتها رأساً على عقب منذ إطلاق الاحتلال النار على نجلها، واعتقاله لاحقاً، وغياب الأخبار عن آخر أوضاعه الصحية، وفقد العائلة القدرة على عمل أي شيء ممكن أن يكون سبباً في إنقاذه من كل ما يحدث في سجون الاحتلال من انتهاكات.
بدأت حكاية الأسير مسالمة حين تعرض لإطلاق الاحتلال الرصاص عليه في بيت لحم، تتحدث عائلته عن تلك الحادثة لمكتب إعلام الأسرى وتروي تفاصيل ملف الإهمال الطبي الشائك له وحاجته الماسة لعمليات جراحية ولأدوية يومية ولمسكنات ألم يجب أن تلازمه طيلة حياته، وتعلم بكل حال من الأحوال أن الأوضاع في سجون الاحتلال تعني عدم توفير هذه الأدوية وتعني خطراً يهدد حياة نجلها في أي لحظة.
يقول محمود محمد مسالمة، والد الأسير مصطفى" تعرض مصطفى لإطلاق الرصاص الحي في منطقة قرب بيت لحم، وبصعوبة بالغة جداً تمكن عدد من الشبان من نقله من موقع الإصابة وسط إطلاق الاحتلال الكثيف للرصاص، وحين وصل مستشفى الحسين في بيت لحم، ولكثرة ما نزف أعلن المستشفى في البدء عن استشهاده".
لطبيعة الإصابة البالغة التي تعرض لها الأسير مصطفى مسالمة أعلن عنه شهيداً، حتى حدثت بارقة أمل أدت بالطاقم الطبي لمعالجته والإبقاء على حياته مع كم الأضرار التي حدثت في جسده نتيجة الإصابة، يقول والده" أجرى المستشفى 3 عمليات جراحية للأسير مسالمة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، استمرت عمليته 18 ساعة ، وتم نقل 48 وحدة دم له، وبصعوبة بالغة نجا من الموت".
لم يكد الأسير مصطفى مسالمة ينجو من موت الإصابة حتى جرى اعتقاله بتاريخ 27/11/2024، ليخوض تجربة ألم من نوع آخر، وسط تخوف شديد لعائلته إزاء كل ما يمكن أن تسببه الإصابة له في ظل غياب العلاج اليومي الذي يجب أن يحصل عليه نجلهم تحت أي ظرفٍ كان.
خضع الأسير مسالمة لعملية جرى فيها نقل شرايين من منطقة الفخذ حيث تعرض لإطلاق رصاص هناك، وتمكن الأطباء من نقل شرايين من منطقة الفخذ الأيسر للأيمن، ونجحت العملية، ثم تبين لاحقاً أن الشرايين التي جرى نقلها دقيقة ولا تضخ الدم على أكمل وجه، وبأنه بحاجة لعملية أخرى لتلافي هذه المشكلة وفقط قبل أن تجرى له هذه العملية اعتقله الاحتلال.
أشد ما يؤرق عائلة الأسير مسلمة اليوم هو حدوث جلطة مفاجئة له، فلصعوبة نقل الدم خلال شرايينه مكان الإصابة فهو عرضة لتجلط الدم، ما يجعله عرضة لجلطة وموت مفاجئ قد يحدث في أي وقت، وهو بحاجة ماسة لأدوية "تميع للدم" لتلافي ذلك على الأقل، وفي ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الحركة الأسيرة فإن أقصى ما يمكن تقديمه من علاج للأسرى هو حبة أكامول لا تغني ولا تسمن من شفاء.
يعاني الأسير مسالمة كذلك من آثار تهتك في عظام الفخذ نتيجة الإصابة، ما يجعله يعاني من عجز في قدميه، وهذا يزيد الأمر سوءاً في ظل ما يحدث في سجون وما يتم تقديمه من شهادات من أسرى محررين تؤكد على ضربهم ونقلهم بطريقة وحشية وتكبيل أيديهم لأيام، في الوقت الذي لا يمكن أن يتحمل الأسير مسالمة كل هذا العبء.
يقول والده" يعاني ابني كذلك من مشاكل في المسالك البولية نتيجة الإصابة وكما تعرض لإصابة في بطنه، ويحتاج لمعالجة طبية حثيثة، ومتابعة وكلما توجهت لمؤسسة معينة للمطالبة بحقه المالي والعلاجي تم مطالبتي بإحضاره لإثباتات رسمية، وأنى لي أن أحضره للعلاج وهو معتقل، ولا تصلني من أخباره إلا القليل القليل".
يشدد والد الأسير مسالمة على أن العائلة طالبت بتقديم علاج له، لكن كل ما يحصل عليه هو مسكن، وقد تمكن محاميه من زيارته قبل 5 أشهر، وطمئنهم، لكن أنى له كأب أن يطمئن في ظل هذا الكم من المشاكل الصحية والأخبار المتعاقبة.
بخوفٍ على حياته يقول والد الأسير مسالمة" وزن ابني كان (50ك) قبل اعتقاله، ومرت 10 أشهر اليوم، وفي ظل ما أسمعه من أخبار كيف سيكون وزنه اليوم علاوةً على صحته، لا أملك له الشيء الكثير تعطلت شؤون عملي وحياتي في ظل التضييق الحاصل لنا في الضفة الغربية ما بعد حرب السابع من أكتوبر، ابني بحاجة لعلاج وأدوية مزمنة ورغم انعدام مصدر رزقي إلا أنني أحاول جاهداً لأن يحصل ابني على حريته، وأسعى ما بين تكاليف المحاميين، وما بين اتصالات لعائلات أسرى خرجوا من ذات قسمه تجيبني على بعض من تساؤلات حول أوضاعه".
يحتاج الأسير مسالمة لعملية مستعجلة لنقل شريان له، قبل أن تداهمه جلطة مفاجئة، ويحتاج لسلسلة من جلسات العلاج الطبيعي على أدنى تقرير نتيجة إصابته، ويحتاج لجهد مالي ونفسي كبيرين من عائلته، واليوم وبعد أن جرى تمديد محاكمته للمرة السادسة حتى تاريخ 15/9/2024، ينتظر كما تنتظر عائلته قدره.
بعد أن شاهد والده صورته خلال محكمته الأخيرة وشكل وجهه المنتفخ فإن أكثر ما يمكن استنتاجه من أوضاعه في سجن عوفر حيث يتواجد اليوم بأنه بحاجة لوقفة حقيقية من قبل مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان وكل من يمكنهم الضغط من أجل إنقاذه وإخراطه في عملية علاج طويلة ومستعجلة.