الأسير وائل الجاغوب: بين حكاية الحرية ومأساة إعادة الاعتقال
تقرير/ إعلام الأسرى

في بلدة بيتا الواقعة جنوب نابلس، التي ما نامت يوما إلا على صوت المواجهات، ولد وائل نعيم الجاغوب لاجئا فوق أرض وطنه، منفيا في حضن ترابه، كبر ذلك الطفل بين زيتونة ووصية وبين يدين مشققتين من صبر أمه وأحلام والده. تشكل وعيه مبكرا فتقدم الصفوف وهو في عز شبابه يخطو على درب الجبهة الشعبية ويؤمن أن الوطن لا يسترد إلا بثمن من الروح.

الاعتقال الأول: شرارة البداية  

اعتقل وائل الجاغوب لأول مرة عام 1992 ليمضي ست سنوات في الأسر، خرج منها أكثر صلابة، وأكثر إيمانا أن الحرية لا تمنح بل تنتزع. لم تكن التجربة إلا ولادة ثانية،. حيث  غاص في الفكر، وتشرب وعي المقاومة، وتحولت خلاياه إلى ذاكرة نضالية لا تنام.

المؤبد الذي لم ينه الحكاية

خلال انتفاضة الأقصى ومع تصاعد العمليات ضد الاحتلال، كان وائل من بين الأسماء التي لاحقتها مخابرات الاحتلال بلا هوادة.

في العام 2001 اعتقل مرة أخرى، لكنها لم تكن ككل مرة؛ لقد حكم عليه بالمؤبد بتهم تتعلق بقيادة مجموعات مقاومة وتنظيم عمليات داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

على مدار 24 عاما، كان قائد فكري ونضالي ونائب مسؤول الجبهة في السجون، ومؤسس لسياق من الصمود الجماعي بين الأسرى.

واجه العزل الانفرادي و خاض الإضرابات وكتب مقالات تسللت من بين قضبان الحديد حاملة صوته وأفكاره إلى خارج السجن كأنها طيور من نور تسابق ظلام الزنازين.

في العتمة جامعة ومنارة علمية وأكاديمية

في عزّ العتمة حول وائل زنزانته إلى مساحة فكر وبحث، حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة الأقصى، وشارك في تثقيف رفاقه الأسرى مؤمنا أن الكلمة المقاومة لا تقل عن البندقية، وأن السجن قد يحاصر الجسد، لكن لا سلطان له على الوعي.

يناير 2025: فجر الحريّة المؤقتة

في الخامس والعشرين من يناير 2025 خرج وائل من سجن النقب، محررا ضمن الدفعة الثانية من صفقة "طوفان الأحرار".  

بدا كما كان صلبا بعينين تشتعلان، وجبين لم تنحنِ خطوطه رغم السنين.  

قال حينها: "تحررت بجسدي، لكنني أحمل معي وجع من تركتهم خلفي. شكري الأول لغزة، لركامها وصمودها، لشبابها الذين جعلوا لهذا التحرر ثمنًا وموقفًا وكرامة"

في تلك اللحظة احتضنته أمه والدمع يسبق الكلمات قالت: "رجعلي وائل بعد عمر، بس قلبي ما ارتاح بخاف يرجعوا ياخدوه"، وكأن قلبها كأنه نبوءة.

العودة إلى القيد: كابوس لم يغادر

فجر السادس من مايو 2025 بعد أربعة أشهر فقط على التحرر، اقتحمت قوات الاحتلال منزل وائل الجاغوب واعتقلته مجددا .

لم يكن الأمر مفاجئا لأسرته فقد سبقه تهديد صريح من ضباط المخابرات خلال استدعاءات متكررة: "مكانك الطبيعي هو السجن وستعود إليه."

قالت شقيقته روند: "ما لحقنا نفرح فيه، ما شبعت عيونا منه، أربع شهور بس، كانوا كأنهم حلم صغير وصحينا منه على كابوس الاحتلال."

*ما بعد الصفقة: التحرر المعلّق*  

إعادة اعتقال وائل لم تكن حدثا فرديا، هو فصل جديد من حرب الاحتلال النفسية ضد الأسرى المحررين.

عشرات منهم يعيشون اليوم على إيقاع الخوف، تهديدات، استدعاءات متكررة، تحقيقات في منتصف الليل، ومراقبة مستمرة تسرق راحة القلب وتبدد طمأنينة البيت.

حكاية وائل الجاغوب هي حكاية وطن يسرق منه الفرح كلما عاد ويسجن حين يبتسم.  

حكاية لا تكتب بالحبر فقط، تكتب بالدم والصبر والكلمة التي لا تموت. هي قصة أسير عاش نصف عمره بين الجدران، بين العزل، بين الزنازين، وتحرر لأشهر فقط لكنه لم يغادر درب الصمود.

وما زال السؤال مفتوحا: هل سنشهد فجرا لا يعتقل فيه الضوء مجددا؟!

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020