ما تزال الجرائم الممنهجة بحقّ الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال تتصاعد دون توقف، وسط إفادات متواترة من داخل السجون تؤكد استمرار الانتهاكات وغياب أي تغير في السياسات القمعية المتبعة منذ بدء العدوان في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
تؤكد الشهادات التي يتم جمعها بشكل دوري من خلال زيارات المحامين، أو عبر إفادات الأسرى المفرج عنهم، أنّ الانتهاكات الممارسة بحقّ الأسرى لا تزال على نفس الوتيرة، والمتغيّر الوحيد هو مستوى العنف، الذي يتصاعد أو يتراجع بشكل طفيف دون أن يتوقف. الجرائم الثابتة منذ أشهر طويلة تشمل: التعذيب، التجويع، الحرمان من العلاج، والاعتداءات الجنسية.
في هذا السياق، تسجَّل حالة تدهور صحي كبير بين صفوف الأسرى، نتيجة ما يتعرضون له من تعذيب ممنهج، ونقص غذائي حاد، وحرمان من الدواء. وقد أبلغ عدد من الأسرى عن إصابتهم بمرض الجرب (سكايبيوس)، والذي يسبب أعراضًا جلدية خطيرة، قد تودي بحياة المصابين، خصوصًا من يعانون من أمراض مزمنة أو ضعف في جهاز المناعة.
سجن "جانوت" بات مثالًا على الوضع الصحي الكارثي، حيث مُنع مئات الأسرى من الزيارة بسبب إصابتهم بالجرب، في وقت تعاني فيه المؤسسات من صعوبة بالغة في الوصول إلى الأسرى داخل هذا السجن. المرض في تفشٍ واسع، وتُستخدم العدوى كذريعة لمنع الأسرى من زيارة المحامين وذويهم. أما التدخلات الطبية التي تدعي إدارة السجون تنفيذها، من قبيل توفير مراهم أو مضادات حيوية، فلم تؤد إلى أي نتائج، بسبب الإهمال المقصود، وعدم توفير وسائل النظافة الشخصية.
الأسرى المصابون يؤكدون أن معاناتهم مع المرض تمتد لأشهر دون علاج فعلي، وأن هناك من أُصيب بالعدوى مرتين، ما يعكس فشل أو تجاهل متعمد في معالجة الجائحة داخل السجون. وتأتي إفاداتهم وسط استمرار نقل الأسرى من قسم إلى آخر، ومن سجن إلى سجن، وهو ما أدى إلى تفاقم انتشار المرض.
منذ بداية شهر أيار/مايو الجاري، نُفذت عشرات الزيارات إلى سجون النقب، جلبوع، مجدو، جانوت، شطة، الدامون، وعوفر. وتؤكد الإفادات أن عمليات القمع لا تزال مستمرة، لا سيما في سجني جلبوع وشطة، حيث نفذت وحدات القمع اقتحامات عنيفة.
في سجن جلبوع، تعرض أسرى قسم (3) لاعتداء جماعي، حيث تم إخراجهم من الزنازين، وتكبيلهم من الخلف، وضربهم بشكل مبرح، إلى جانب رشهم بالغاز الفلفلي. أما في سجن شطة، فقد أكد أسرى قسم (7) أنهم تعرضوا لاعتداءات وحشية من قبل وحدات "المتسادا"، بما في ذلك الضرب واستخدام الغاز، ما أسفر عن إصابات خطيرة.
هذه الهجمات العنيفة تمثل سياسة ثابتة اتبعتها مصلحة السجون منذ بدء الإبادة، وتسببت في مئات الإصابات، بينها كسور في الأضلاع والأطراف، لا يزال يعاني منها بعض الأسرى حتى بعد الإفراج عنهم، إذ يؤكدون أنهم لا يستطيعون تذكر عدد المرات التي تعرضوا فيها للضرب.
وفي سجن النقب، أفاد أسرى جرت زيارتهم مؤخرًا بأنهم تعرضوا للضرب خلال إحضارهم إلى غرف الزيارة، وأن هذه الممارسات تحولت إلى سياسة مستمرة، خاصة خلال عمليات النقل داخل السجن، وهو نمط تكرر في شهادات عديدة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وفي ما يتعلق بالتجويع، ما تزال الوجبات المقدمة للأسرى عبارة عن كميات ضئيلة من الطعام لا تسد رمقهم، الأمر الذي ساهم في تدهور أوضاعهم الصحية وفقدان أوزانهم بشكل ملحوظ، كما أظهرت صور المحررين مؤخرًا. كثير من الأسرى المفرج عنهم أفادوا بإصابتهم بأمراض خطيرة نتيجة الجوع الطويل، ما ساهم في استشهاد عدد من الأسرى.
يؤكد الأسرى في مختلف السجون أن أصناف الطعام لم تتغير منذ أشهر طويلة، ويتم تقديمها بكميات غير كافية بشكل ممنهج. ويُشار إلى أن الاكتظاظ داخل الزنازين فاقم الأوضاع الصحية أيضًا، حيث أن الزنازين المصممة لاستيعاب 6 أسرى باتت تضم 9 إلى 11 أسيرًا، ما أجبر العديد منهم على النوم على الأرض، دون أي مساحة للحركة.
هذه السياسات مجتمعة تُنذر بمزيد من الشهداء بين صفوف الأسرى، الذين بلغ عددهم منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر (69 شهيدًا) على الأقل، بحسب ما هو موثق لدى المؤسسات المختصة، وهي حصيلة تعكس المرحلة الأكثر دموية في تاريخ الحركة الأسيرة.
حتى مطلع أيار/مايو الجاري، بلغ عدد الأسرى أكثر من 10,100، لا يشمل هذا الرقم المعتقلين المحتجزين في معسكرات الجيش، فيما بلغ عدد الأسيرات 37، والأطفال أكثر من 400، والمعتقلين الإداريين 3577، والمصنفين كمقاتلين غير شرعيين 1846.