في أحد أروقة سجن "عوفر"، يرقد شاب في نهاية العشرينيات من عمره على كرسي متحرك، لا بقصد الراحة، بل لأن الرصاص الذي مزق ساقيه خلال اعتقاله لا يزال يسكن جسده، دون أن يجد من يمد له يد العون.
صالح حسونة (29 عامًا)، من مخيم الجلزون شمال رام الله، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في 29 شباط/ فبراير 2024. لم تكتفِ قوات الاحتلال باقتياده قسرًا، بل أطلقت عليه النار لحظة الاعتقال، لتستقر الرصاصات في رجليه وتُدخله في معركة من نوع آخر؛ معركة ضد الألم، والإهمال، والعجز.
اليوم، بعد أكثر من عام على إصابته، لا يزال صالح يواجه السجن مضاعفًا؛ سجن الحديد وسجن الجسد. فهو لا يقوى على الوقوف، ويعتمد كليًا على كرسي متحرك للتنقل، بينما ترفض إدارة سجن "عوفر" منحه عكازات تساعده ولو جزئيًا على الحركة. وحتى العلاجات الأساسية التي من شأنها تخفيف ألمه؛ من جلسات علاج طبيعي أو تدخلات جراحية لازمة، لم تُقدّم له منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر.
هذا الإهمال الطبي، الذي تصفه مؤسسات حقوقية بأنه "متعمد"، يترك آثارًا جسدية ونفسية على الأسير الشاب، ويعيد تسليط الضوء على سياسة الاحتلال تجاه الأسرى الجرحى، الذين تُركوا لمصيرهم في الزنازين، دون محاسبة أو رقابة حقيقية.
ورغم حالته الصحية الحرجة، قررت سلطات الاحتلال مؤخرًا تمديد اعتقاله الإداري لستة أشهر إضافية، دون توجيه أي تهمة، مما يعكس استغلال "الاعتقال الإداري" كأداة لقمع الفلسطينيين خارج إطار القانون.
قصة صالح ليست استثناء، بل واحدة من عشرات القصص التي يرويها الأسرى الفلسطينيون بأجسادهم كل يوم. أجساد أنهكها القيد، وقهرها الإهمال، لكنّها لا تزال شاهدة على جريمة مستمرة.