الإهمال الطبي في سجون الاحتلال.. موت يتقدم ببطء
تقرير/ إعلام الأسرى

في زنازين يغيب فيها الحد الأدنى من الإنسانية، تتعدد صور المعاناة، ويصبح الجسد الفلسطيني ساحة مواجهة جديدة، فالإهمال الطبي المتعمد، وانعدام الرعاية الصحية، وتجاهل الحالات الطارئة، كلها ممارسات يومية تمارسها إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلية بحق الأسرى، لتتحول الأمراض والجراح إلى أدوات قمع وقتل بطيء.

أسرى يختفون خلف الأجهزة

فالشيخ محمد جمال النتشة، القائد الوطني والنائب السابق في المجلس التشريعي، يحتجز داخل مستشفى سجن الرملة بوضع صحي حرج، وبحسب محاميه، فإن النتشة غير قادر على الحركة أو الحديث، ومربوط بالأجهزة الطبية، ويُمنع من الزيارة أو التواصل، بل حتى من تسليم ملفه الطبي لمحاميه.

هذا الإخفاء الطبي القسري، يعكس سياسة التعتيم التي تمارسها سلطات الاحتلال تجاه الأسرى المرضى، وخاصة أولئك الذين يشكلون رموزًا وطنية.

اعتداءات تنكسر فيها العظام

والمناضل رجا إغبارية (73 عامًا)، أحد قيادات حركة "أبناء البلد"، تعرّض لاعتداء وحشي في أحد سجون الاحتلال الإسرائيلية، أسفر عن كسور في ساقيه وحرمان من المسكنات والعلاج، وسط احتجاز في ظروف وُصفت بـ"المهينة وغير الإنسانية"، اعتقاله في 9 أبريل 2025 أضيف إلى سجل الانتهاكات الصارخ بحق الأسرى المسنين والرموز الوطنية.

أمومة خلف القضبان.. حمل في قلب السجن

في سجن "الدامون"، تعيش ريما بلوي (31 عامًا) من طولكرم، وزهراء الكوازبة (37 عامًا) من بيت لحم، شهورهما الخامسة من الحمل، وسط ظروف اعتقال لا تراعي أي من الاعتبارات الصحية أو الإنسانية الخاصة بالحوامل.

ريما، وهي أم لطفلتين، تعاني من مرض الثلاسيميا، بينما تحتاج زهراء، أم لثلاثة أطفال، إلى رعاية طبية دائمة بسبب مشاكل عصبية تعاني منها.

تم اعتقال ريما في فبراير 2025 بتهمة "التحريض"، وزهراء على حاجز أثناء عودتها من أريحا في مطلع أبريل، وجرى تمديد اعتقالهما أكثر من مرة.

ورغم كل النداءات الحقوقية، تواصل سلطات الاحتلال اعتقال 45 أسيرة فلسطينية، دون توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية، ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الأسيرات.

رصاص الاحتلال يطوقه في زنزانته

في أحد أروقة سجن "عوفر"، يرقد الشاب صالح حسونة (29 عامًا) من مخيم الجلزون، على كرسي متحرك، ليس ليرتاح، بل لأن الرصاص الذي اخترق ساقيه أثناء اعتقاله في 29 شباط/ فبراير 2024 لا يزال ينهش جسده دون علاج، لم تقدّم له إدارة السجن أي جلسات علاج طبيعي أو تدخل جراحي منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بل ترفض حتى منحه عكازات تساعده على الوقوف.

صالح الذي يخوض معركة ضد الألم والإهمال، وجد نفسه أسيرًا مضاعفًا: مرة داخل الزنزانة، وأخرى داخل جسدٍ عاجز، وما زاد من قسوته، قرار الاحتلال الأخير بتمديد اعتقاله الإداري لستة أشهر إضافية، دون تهمة أو محاكمة.

صوت من النقب.. ثائر الكريفي

الأسير ثائر الكريفي (41 عامًا) من الخليل، المعتقل منذ عام 2006 والمحكوم بالسجن 21 عامًا، لا يزال يعاني من إهمال طبي ممنهج في سجن النقب، ويواجه أوجاعًا جسدية ونفسية مستمرة دون أي متابعة طبية، رغم مرور نحو عقدين على اعتقاله.

سامر هوجي.. سرطان خلف القضبان

يعاني الأسير سامر محمد هوجي (37 عامًا) من مدينة طولكرم من ورم سرطاني في الظهر، وقد خضع للعلاج الإشعاعي قبل اعتقاله مجددًا في نيسان/أبريل 2025، رغم وضعه الصحي الحرج، تماطل سلطات الاحتلال في تقديم العلاج اللازم له، وسط ظروف احتجاز تفتقر إلى الحد الأدنى من الرعاية الطبية، ما يشكل خطرًا على حياته.

عمرو هميل.. جلطة وإهمال

الأسير عمرو هميل (50 عامًا) من بلدة بردلة في طوباس، يعاني من آثار جلطة دماغية سابقة، ويواجه تدهورًا صحيًا مستمرًا داخل السجن نتيجة الإهمال الطبي، بدلاً من نقله إلى مستشفى مختص، يُحتجز هميل في ظروف صعبة تهدد استقراره الصحي، في مخالفة صارخة لكل الأعراف الحقوقية.

سمير أبو نعمة.. 38 عامًا في الأسر وجسد ينهار

الأسير المقدسي سمير سرحان أبو نعمة (63 عامًا)، المعتقل منذ عام 1986، والمحكوم بالمؤبد، يُعد من أقدم الأسرى المرضى، ويعاني من انسداد في الشرايين، وآلام شديدة في الرأس، وضعف في السمع والبصر، وأزمات تنفس، دون علاج حقيقي.

ورغم تدهور حالته، ترفض سلطات الاحتلال إطلاق سراحه أو توفير الرعاية الطبية الكافية، وتمنع زيارته بشكل منتظم، ما يزيد من ألمه وعزلته.

شهداء يرحلون بعد الحرية.. أجساد لم تحتمل الإهمال

لا يتوقف الإهمال الطبي عند أسوار السجن، فبعض الأسرى يُفرج عنهم بعد أن يكون المرض قد نخر أجسادهم حد النهاية، معتصم رداد، أحد أبرز الحالات، تحرر من سجون الاحتلال بعد سنوات من الصراع مع مرض السرطان، الذي لم يتلق له أي رعاية طبية حقيقية خلف القضبان، وبعد الإفراج عنه، واصل معركته مع المرض وحده، قبل أن يرتقي شهيدًا متأثرًا بما تركه القيد من خراب في جسده.

حالة رداد تؤكد أن الاحتلال لا يكتفي بقتل الأسرى داخل الزنازين، بل يتركهم يواجهون الموت وحدهم حتى بعد التحرر، في امتداد لجريمة مستمرة.

نداء إنساني.. هل من مستجيب؟

من قلب الزنازين الباردة، ومن على أسرّة الصدأ في "عيادة الموت"، يصرخ الأسرى المرضى بما تبقى في أجسادهم المنهكة:

"لسنا أرقامًا.. نحن أرواح تُزهق بصمت!"

إن استمرار صمت المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان أمام سياسة القتل البطيء، يرقى إلى التواطؤ الأخلاقي.

كل دقيقة يقضيها الأسرى المرضى دون علاج، هي خيانة للعدالة، وخرق لكل مواثيق الإنسانية.

إنقاذ من تبقى لم يعد ترفًا، بل واجب عاجل..

فهل تتحرك الضمائر قبل أن تُقرع أسماء جديدة في قائمة الشهداء؟

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020