"بعد أربعين يومًا... نسيت شكل حلا"
‏إسلام شولي: أمٌ فلسطينية تتفتّت في الزنزانة
تقرير/ إعلام الأسرى

‏‏في أحد زنازين سجن "الدامون"، حيث العتمة لا تنام، تجلس إسلام شولي على طرف سريرها الحديدي، تُحدّق في الفراغ، تُحاول عبثًا أن تتذكّر وجه حلا.

‏‏لكن ملامح طفلتها، تلك التي نامت ذات مساء داخل عباءة أبيها وهي تضحك بخفةٍ مع خالها عمر، لم تعد حاضرة.

‏"بعد أربعين يومًا من الاعتقال... نسيت شكل بنتي".

‏قالتها إسلام، ثم سكتت.

‏ثم دمعت.

‏ثم انكسر كل شيء.

‏‏إسلام أحمد طلب شولي، المهندسة، الأم، المربية، المعتقلة منذ 13 شباط/فبراير 2025، اقتلعها الاحتلال من قلب عائلتها، تاركًا ثلاثة أطفالٍ دون أم، وزوجًا أسيرًا في "مجدو"، وأمًا معتقلة معها في "الدامون"، وأخًا مفقودًا لا تعرف أين يُحتجز.

‏‏في زنزانة واحدة، تتشارك إسلام الجدران مع والدتها، ومعها تتقاسم ما تبقّى من الحنان، تُقبّل يدها سبع مرات في اليوم. ليست عادة ولا عاطفة فقط، بل محاولة خائفة لتذكّر شكل الأولاد، لاحتضان غائبين، لملء غياب أحمد وحلا وحور، ولسدّ فراغ لا يسدّه سوى عناق.

‏‏"عيد ميلادي... وعيد أحمد، وعيد حلا، وحور، وإيهاب، والماما، والبابا، وخواتي... كلنا عيّدنا بالسجن"، قالتها وكأنها تُعدّ ضحايا لا تواريخ.

‏البيت كلّه في السجن.

‏‏إسلام التي خضعت لعملية دوالي عنيفة في ساقها اليمنى، لم تسلم من الضغط والتهديد. وقّعت على "اعتراف" ظنّته وسيلتها الوحيدة لسماع صوت أولادها، ولو لدقيقة، عبر الهاتف.

‏‏أما المعتقلات في بيتاح تكفا، فحدّثتها زميلاتها عن كوابيس التحقيق: صدمات كهربائية، تفتيشٌ عارٍ، شبحٌ لساعات، وسجّانون يتضاحكون كأنهم في نزهة.

‏‏ورغم هذا الظلام، تتمسك إسلام بالخيط الرفيع المتبقّي من الكرامة. تصرّ على أن معنويات الأسيرات مرتفعة، وأن الجسد المنهك لا يعني انكسار الروح.

‏"نحن بخير... ننتظر فجرًا قريبًا، لا تنسونا في الدعاء".

‏‏من خلف القضبان، تكتب رسائلها للعائلة بالحُب والدعاء:

‏‏– لأبيها: "بلّش التنقيح لتفسير الجلالين، ودير بالك ع حالك، يا تاج الراس".

‏– لفواز: "ماما بتحكيلك: أتعلَم أننا اشتقنا؟ أتدري ما نُقاسيه؟"

‏– لعمر: "حزام الظهر، وماما بتحكيلك: لن تنحني من العزائم"

‏– لتسنيم وإيمان: "عيوني الثنتين"

‏– ولزوجة أشرف (نور): "من أعطى أولادي تمرة، نزلت حلاوتها في فمي"

‏‏وفي النهاية، تسأل بتنهيدة محروقة:

‏"بالله عليك أستاذ... تابع لنا تخرّج سعد، وطمّنا عنه"

‏‏ثم تهدي كلمات باسم حرائر "الدامون"، كأنها ترتّق جرحًا ببيت شعر:

‏"دوسي ع الفرش بالقبقاب

‏هيها الحريّة عالباب

‏دوسي ع الفرش بكُمّك

‏بكرا بتكوني بحضن أمّك"

‏‏إسلام لا تطلب كثيرًا. فقط أن تتذكر حلا، أن ترى أحمد، أن تسمع صوت حور، أن تخرج من هذا الجدار الإسمنتي وتعود أمًّا بكامل الأمومة.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020