"اشتقت لحِلبِة أمي" : تسنيم التي ترفع الأذان من زنزانتها في الدامون
تقرير/ إعلام الأسرى

في الزنزانة رقم 10، على ارتفاع يطل على الغياب، تقيم تسنيم بركات عودة، الطالبة التي كانت قبل اعتقالها تحضر مشروع تخرجها في كلية القانون، وتحلم أن تصبح محامية كما أراد والدها الشهيد.  

لكن بين القاعة وقفص الاتهام، اختُطفت تسنيم من حلمها، واقتيدت إلى سجن الدامون، يوم 12 ديسمبر 2024، من حي وادي الجوز في القدس.

تسنيم المولودة في 17 سبتمبر 2003، هي ابنة لعائلة مقدسية، وأخت لشقيقات وإخوة يسكنون الذاكرة والحنين.  

قبل عامين فقط استشهد والدها في 30 أكتوبر 2022، وكان يتمنى أن يراها تلبس الروب الأسود وتدافع عن المظلومين.  

المشروع كان جاهزا ، والموعد في يناير 2025، لكن الاعتقال جاء في الوقت الخطأ، في الحياة الخطأ.

في زنزانة من قهر وأمل

برفقة زميلات السجن: سهام أبو سالم من غزة، بشرى قواريق، ولاء حوتري، ماسة غزال، وسامية الجواعدة، تحاول تسنيم أن تحيا. تتقاسم معهن ضيق المكان وحرارة الأبواب المغلقة. "كثير مشددين علينا"، قالت بصوت يحمل ضيق القلب، "الأشناب بيفتحوها بس لتدخل الأكل، ودائما لابسين على روسنا، اليانس بدون تنورة، وبيصيروا يصرخوا: ليش ما بتعملوش مشاكل مع بعض؟"

تحملت شهورا من المماطلة في علاج أوجاعها. كانت ضرسها يؤلمها بلا توقف، حتى خلع أخيرا، وقُطّب الجرح بعد طول انتظار.

لكنها لا تشكو كثيرا وإنما  تبتسم: "أنا بأذن بالقسم، وكل آذان بطلب من البنات يدعوا لأمي".

"اشتقت لأكلها.. خصوصا الحِلبة"  

حين تحدّثت تسنيم عن والدتها، اختنق صوتها بمحبة لا تشيخ. قالت ببساطة ما لا تقوله القصائد:

"اشتقت لأكل أمي، خصوصا الحلو، وبالذات الحِلبة".

ثم بعثت رسائلها واحدة تلو الأخرى، كما لو أنها تخبئ كلامها في شال أمها:

لإخوتها إياد ونور: "اشتقت أتطاوش معكم".

لخالاتها أمينة ونور: "سلمولي على الكل".

لسجود أختها: "إمي أمانتك، فرّجي لولو صوري، وبلغيها تهنئة عيد ميلادها (22 يونيو)، وإن شاء الله بلحق ولادتك".

لآية أختها الصغيرة: "انتبهي لدروسك، وإن شاء الله بحضر كتب كتابك".

لشيماء وميساء: "اشتقت نرجع نحكي في الجامعة ونفضفض، وندرس سوا".

صوت الدامون وضحكة لا تنسى

وسط كل هذا الضيق، جاءت رسالة من سيرين، تحكي عن بنات الدامون، وتضم تسنيم في حضنها، فتقول:

"يا باسمة الوجه، يا ضاحكة العينين، قد أكون نسيت شرب القهوة لكن ضحكة عينيك لا تنسى".

وفي نهاية اللقاء، أوصت تسنيم:

"عيشوا كل يوم، وانبسطوا عشاني".

ففي مكان يشبه القبر، تكتب تسنيم حياة بحروف القانون، وتنتظر فجرا يأتي بلا سجان، لتعود إلى أمها، وتقول لها:

"جهّزي الحِلبة.. وصلت"

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020