الأسيرة شيماء : المريول الأبيض، وقبر الأم، وولد اسمه عمر
الضفة/ إعلام الأسرى

في الزنزانة رقم (11)، بين جدران الدامون العفنة والمعتمة تقف شيماء وفي عينيها نافذتان مفتوحتان على ثلاثة أشياء: ولد، ومريول، وقبر.

شيماء إبراهيم أبو غالي من الحارة الشرقية في جنين، لا تُعرّف نفسها كأسيرة فقط وإنما كأمٍّ لعمر، كابنة لفايزة، وكطبيبة أسنان علقت المريول الأبيض على مشجب الذاكرة وما زالت تراه كل صباح يبتسم لها من الحنين.

تبدأ الحكاية حين وصلتها سلامات من عمر، ابنها ذي الثلاثة عشر عاما. أخبروها أنه قضى العيد في المطاعم، وأنه "زلمة وقائد" كما كانت توصيه دائما. دمعت عيناها، ثم سرحت للحظة، وتاهت في تفاصيل الرداء الأبيض، وفي يدي أمها الشهيدة فايزة التي لم تزر قبرها بعد.

ثم عادت كمن انشق قلبه وتكلم.

قالت:

"يوم 29 نيسان الصبح بدري خبط على الباب كنت بملابس النوم، لبست اليانس تبع حياة إمي، وعبايتها دخلت فيها عالسجن وبنام كل ليلة حاضنتها لأنها من ريحتها".

في ذلك اليوم، كانت جنود الاحتلال يفتشون عن أخيها المطارد، لكنهم أخذوها من بيتها إلى مخيم جنين، إلى عمارة أبو الهيجا، حيث تزامن التحقيق مع عملية هدم في ذات الطابق.

ثم إلى المركز الطبي، فتشوه، ثم إلى الجلمة، ثم الشارون

"نشكر الله بس 12 ساعة"، قالتها بشبه سخرية.

"المكان معفن، مليان حشرات، في فأر ميت تحت البرش،  أما التفتيش؟  مذل ومهين".

في النهاية، وصلت الدامون بوابة الحديد والغاز والشتائم، حيث لا تصل الشمس إلا على استحياء ولا الماء إلا بتوقيت.

قالت:

"3 قمعات، وتفتيش عاري مرتين لكل الأسيرات، رشونا بالغاز، والبنات تبهدلوا  ألفاظ نابية، تهديد بالاغتصاب، ضرب، مقابلات مخابرات، كلابشات حفرت إيدي".

ثم صمتت كأنها لم تعد تملك ما تقول.

في الغرفة (11)، تشاركها الألم كل من: إسلام، لينا، سلام، شيرين، وآية.

لكن شيماء، كانت أما بينهن لأنها أكثر من فقدت.

قالت فجأة، وكأن الكلام فلت من صدرها: "أنا مشتاقة لعمر، ولشغلي ومشتاقة أزور قبر أمي".

ثم أردفت: "هي بتيجي تزورني بالحلم وبعبطها". تبتسم وهي تقولها ثم تمسح دمعة تسقط.

خلف القضبان تتحدث عن أشجار القواوير في غرفتها التي تخاف أن تموت عطشا. قالت: "اسقوهن مرة بالأسبوع، بس لا تموت القواوير".

وكأن الأشجار امتداد للأم، أو للأبناء، أو لجنين التي لم تعد تراها إلا في المنام.

وحين وصلها أن محمود حج عن أمها، ابتسمت وسكن صوتها للحظة، ثم همست:"مشتاقتلها... ومشتاقة للحظة اللي أطلع فيها".

ثم أنهت، كمن يقيم توازنا في قلبها بين الطين والضوء:

"أنا مش بس أم عمر، أنا أم عبد الله وأحمد الأسرى. وبنفسي أرجع ألبس المريول في العيادة. ألبسه وأداوي ناس مش أتحمل وجعهم بس".

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020