يواصل الاحتلال اعتداءاته الممنهجة بحق أصحاب الكلمة الحرة، فلا تزال أبواب سجونه تُغلق على 49 أسيراً صحفياً، في حين اعتقل خلال حرب الإبادة على غزة 55 أسيراً، 22 منهم بملفات إدارية متجددة دون لوائح اتهام، في محاولة لسياسة تكميم الأفواه وإسكات كل من يحاول الحديث عن اعتداءاته.
سجّل الاحتلال منذ حرب السابع من أكتوبر 192 حالة اعتقال واحتجاز وتحقيق بحق الطواقم الصحفية، واليوم يعاني الصحفيون من سياسة ملاحقة وتهديدات مستمرة بشأن تغطيتهم لاجتياحات الضفة وأخبار قطاع غزة وكل ما يخص شؤون الشعب الفلسطيني. مكتب إعلام الأسرى يسلط الضوء على قصة الأسير الصحفي علي السمودي (58 عاماً) من مدينة جنين، كأحد أبرز الصحفيين الذين يعانون من الاعتقال الإداري والإهمال الطبي المتعمد، علاوة على افتقاد مدينة جنين لحضوره الدائم ودعمه المتواصل لحياتها في ظل ما تشهده من تضييق واعتداءات يومية.
تحدث مكتب إعلام الأسرى إلى تغريد السمودي، شقيقة الأسير، حول ظروف اعتقاله وملفه الإداري والإهمال الطبي بحقه. تقول: "اعتُقل علي بتاريخ 29/4/2025، من داخل منزل ابنه، وجرى احتجازه مع ابنته وزوجة ابنه والتحقيق معهما، ثم أخبره ضابط الاحتلال أنه أوفى بوعده وعاد لاعتقاله."
الأسير السمودي كان قد تعرض لتهديد مباشر بالاعتقال، لكونه الناقل النشيط لصورة الأوضاع الميدانية في جنين. واليوم لا يفتقده عمله الصحفي فقط، بل يفتقده كل أبناء المدينة لحجم خدماته التي كان يقدمها لهم، ولكونه الداعم الأبرز لاحتياجاتهم أثناء الاجتياحات وما قبلها، والناقل الأمين لتفاصيل حياتهم اليومية وما يمارسه الاحتلال من تنكيل بحقهم.
في 11/5/2022، أصيب الأسير السمودي برصاصة في ظهره يوم استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، حيث جرى استهداف طاقم الصحفيين الذين كانوا يغطّون اقتحام مدينة جنين، رغم ارتدائهم الخوذ والسترات الصحفية. وتوضح شقيقته: "أخي مريض سكري، وأي إصابة لديه تحتاج وقتاً طويلاً للشفاء، إصابة ظهره كانت ثقيلة على جسده، خرج كتفه من مكانه، وكان يعاني من آلام شديدة نتيجة هذه الإصابة."
يعاني الصحفي علي السمودي في سجن النقب من إهمال طبي خطير، فهو مصاب بأمراض مزمنة كالضغط والسكري، ويحتاج لأدوية يومية لا توفرها له إدارة السجون. كما أن إصابة الرصاص تسببت له بمضاعفات خطيرة في أمعائه وجهازه الهضمي. وتقول شقيقته إن أحد الأسرى المحررين من بلدة اليامون أبلغهم أن علي سقط مغمى عليه خلال "الفورة"، ونزف من رأسه، وكل ما قدمته له إدارة السجون هو "اليود وحبة أكامول".
وتؤكد تغريد السمودي أن شقيقها بحاجة ماسة لأدويته ولنظارته التي تمت مصادرتها، حيث يعاني من ضعف في الرؤية. وتصف حالة الهلع التي تعيشها العائلة وأولاده على مصيره، خصوصاً مع صدور أمر اعتقال إداري بحقه لمدة 6 أشهر، بانتظار قرار محكمة الاحتلال بشأن الاستئناف المقدم.
الأسير السمودي كان قد تعرض لاعتقالات سابقة في الانتفاضة الأولى والثانية، وأمضى ما يزيد عن سنتين في سجون الاحتلال. لكن اعتقاله الحالي يهدف إلى تغييبه قسراً عن مدينة جنين وما يحدث فيها، وعن مجتمعه الذي يعرفه منظمًا لـ"حملة الأمل" التي كانت تمد أهالي المنطقة بالأدوية والمستلزمات الحياتية والدعم المالي. تقول شقيقته: "أذكر لهفة أخي على مساعدة الناس، في أحد الأيام الماطرة كنت أستضيفه في اليامون فاتصلت به امرأة تستغيث، فخرج ليلاً لتلبية ندائها رغم خوفي عليه. اليوم تفتقده العائلات التي كان يوفر لها الأدوية والمستلزمات المدرسية، فقد ترك فراغاً لا يعوّض."
ينتظر أبناؤه مجد، فرح، ومحمد حريته بلهفة؛ فمجد رزق بابنته الأولى ويريد لوالده أن يراها، بينما تعيش فرح افتقاداً مضاعفاً بعد رحيل والدتهم. وتقول العائلة إن الأفراح غابت تماماً عن بيتهم منذ اعتقاله.
أشد ما يقلق العائلة هو الوضع الصحي الخطير لعلي السمودي وتعنت الاحتلال في علاجه. صور اعتقاله وهو مكبّل الأيدي دون أن يودع أبناءه ما زالت راسخة في أذهانهم، خصوصاً في ذهن نجله الأسير المحرر محمد، الذي يعرف قسوة الاعتقال. واليوم تشارك العائلة في كل اعتصام وفعالية تضامنية لرفع صورته، والتأكيد على أن ظروف اعتقاله تجسّد ممارسة إجرامية بحق الصحفيين والأسرى على حد سواء.