منذ عقود يخوض الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال معركة البقاء الإنساني في مواجهة منظومة قمعية تستهدف أجسادهم وأرواحهم.
تتعدد الانتهاكات بين العزل الانفرادي، الإهمال الطبي، التجويع الممنهج، القمع النفسي والجسدي وقطع أخبارهم عن ذويهم.
يشكل الأسرى يعقوب القادري، معمر شحرور ومناضل انفيعات نماذج لهذه السياسات، حيث تكشف معاناتهم تفاصيل منظومة عقابية متكاملة تهدف إلى كسر إنسانية الأسير وإضعاف عزيمته في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
أولًا: الأسير يعقوب محمود قادري – جنين
العمر: 53 عامًا
مكان السكن: قرية بير الباشا – جنين
تاريخ الاعتقال: 2003 بعد مطاردة استمرت عامين
الحكم: مؤبدان + 35 عامًا، وأضيف 5 سنوات بعد عملية نفق جلبوع
مكان الاحتجاز: سجن "جانوت" – عزل انفرادي
الانتماء: من كوادر حركة الجهاد الإسلامي وأحد أبطال عملية نفق جلبوع 2021
المسيرة التعليمية : حاصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى داخل السجن
أبرز الانتهاكات:
1. إهمال طبي ممنهج رغم معاناته من مشاكل في الغدة الليمفاوية، ودسك في الظهر، وارتفاع ضغط الدم.
2. حرمان العائلة من الزيارة وانقطاع المحامين عن التواصل معه منذ أشهر.
3. تنكيل جسدي متكرر، منها التحقيق القاسي والضرب بعد عملية النفق.
4. عزلة نفسية واجتماعية، إذ فقد والدته عام 2022 ووالده عام 2024 دون وداع.
5. عقوبات متصاعدة: إضافة 5 سنوات وغرامة مالية لحكمه بعد انتزاع حريته في النفق.
ثانيًا: الأسير معمر فتحي شريف شحرور – طولكرم
العمر : 46 عامًا
مكان السكن : مدينة طولكرم – الضفة الغربية
تاريخ الاعتقال : 2002 بعد مطاردة عدة أشهر
الحكم: 29 مؤبدًا + 20 عامًا إضافية
مكان الاحتجاز : سجن "جانوت" – عزل انفرادي منذ فبراير 2024
الانتماء: من قيادات الحركة الأسيرة لدى حركة حماس، أحد منفذي عملية مطعم "بارك" الشهيرة.
المسيرة التعليمية : حاصل على بكالوريوس وماجستير في التربية والحضارة داخل السجن
أبرز الانتهاكات:
1. عزله انفراديًا بقرارات تمديد متواصلة منذ 9/2/2024، آخرها 6 أشهر جديدة.
2. إهمال طبي: يعاني من الروماتيزم وحُرم من العلاج والحقن الشهرية، ما سبب له مشاكل حركية.
3. سياسة التجويع: فقد أكثر من 20 كغم من وزنه (من 70 إلى 48).
4. انقطاع كامل عن الأخبار وحرمان من زيارات العائلة منذ بداية الحرب على غزة.
5. فقدان والديه وأحد أشقائه خلال الاعتقال دون السماح له بوداعهم.
ثالثًا: الأسير مناضل يعقوب عبد الجبار انفيعات – جنين
العمر: 29 عامًا
مكان السكن : بلدة يعبد – جنين
تاريخ الاعتقال : 11/2/2020 بعد اعتقالات سابقة مجموعها 5 سنوات
الحكم : 7 سنوات ونصف + غرامة 10 آلاف شيقل
مكان الاحتجاز : عزل سجن "جانوت"
الانتماء : من كوادر حركة الجهاد الإسلامي، وأحد أبطال عملية نفق جلبوع
أبرز الانتهاكات:
1. عزل انفرادي بظروف قاسية وقطع تام للأخبار عن عائلته.
2. إهمال طبي شديد: مكث 40 يومًا طريح الفراش دون علاج، يتيمم على الحائط للصلاة.
3. معاناة صحية مركبة: دوار دائم، خدر بالجسد، ضيق تنفس، آلام قلب، فقدان 15 كغم نتيجة التجويع.
4. حرمان من العلاج لآلام المعدة، اضطر لخلط الخبز بالماء والملح لتخفيف الألم.
5. تضييق إنساني: لم يُسمح له بحلاقة شعره 7 أشهر، بالكاد استطاع الحديث لمحاميته 5 دقائق.
6. عقوبات عائلية: اعتقال ثلاثة من أشقائه بعد عملية النفق، ما زال شقيقه نضال موقوفًا حتى الآن.
الانتهاكات في ضوء القانون الدولي
- المادة (20) من قواعد مانديلا تضمن للأسير الحق في غذاء كاف وصحي، بينما يتعرض الأسرى لتجويع ممنهج.
- المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم دولة الاحتلال بتوفير رعاية طبية مناسبة وهو ما يحرم منه بشكل واضح.
الانتهاكات في ضوء القانون الدولي :
- المادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم باحتجاز المعتقلين في ظروف إنسانية بينما يحتجز قادري وشحرور في عزل قاس.
- المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تلزم بتوفير أدوية وعلاج مناسب للأمراض المزمنة لكن الاحتلال يتعمد منعها.
- حرمان الأسير من العلاج يعد بموجب نظام روما الأساسي جريمة ضد الإنسانية باعتبارها "تصفية بطيئة".
انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي الإنساني في التعامل مع الأسرى
رغم وضوح القواعد التي وضعها القانون الدولي الإنساني لحماية الأسرى والمعتقلين، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي حول الأسرى الفلسطينيين إلى ساحة مفتوحة لانتهاك هذه القواعد على نحو ممنهج.
تنص المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع على حظر التعذيب والمعاملة القاسية، وضمان ظروف احتجاز إنسانية، إلا أن الواقع داخل السجون الإسرائيلية يكشف عن ممارسات مناقضة تماما: عزل انفرادي يمتد لسنوات، حرمان من العلاج حتى الموت، اعتقال إداري دون تهمة أو محاكمة عادلة، وتعمد إذلال الأسرى في تفاصيل حياتهم اليومية.
كما تؤكد اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 أن أي شكل من أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي محظور بشكل مطلق.
غير أن الاحتلال جعل من التعذيب سياسة ثابتة، تبدأ من لحظة الاعتقال بالضرب والشبح والتحقيق الطويل ولا تنتهي عند الإهمال الطبي المتعمد الذي حصد أرواح عشرات الأسرى منذ بداية الحركة الأسيرة.
أما القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نص بوضوح على حق المعتقلين في مراجعة قضائية عادلة وفي معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم.
لكن الاحتلال أفرغ هذه النصوص من مضمونها عبر محاكم عسكرية تفتقر للحد الأدنى من العدالة، وعبر منع الأسرى من زيارة محاميهم أو التواصل مع ذويهم الأمر الذي جعل من الاعتقال أداة عزل تام عن العالم الخارجي.
ورغم التوثيق الواسع لهذه الانتهاكات من قبل المؤسسات الحقوقية والأممية يواصل الاحتلال الإفلات من المساءلة الدولية، ما يعكس حالة انفلات من العقاب ويشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الأسرى.
ويؤكد مكتب إعلام الأسرى في هذا السياق أن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون "يمثل خرقا صارخا لكل القوانين والمواثيق الدولية، ويكشف عن ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع جرائم الاحتلال، الأمر الذي يجعل حياة الأسرى وكرامتهم الإنسانية مهددة على نحو يومي".