يعرف المحامي الأسيرَ الشيخ رزق عبد الله مسلم الرجوب (65 عامًا) من سكان بلدة دورا، قضاء مدينة الخليل، جيدًا؛ فهو يزوره منذ العام 2011 حين كان في عزل سجن "إيشيل". يعرفه شكلاً وملفًا وملامحَ وتفاصيل، لكن في شهر آب من هذا العام لم يستطع الشيخ الرجوب التعرّف على محاميه، كما لم يعرفه المحامي بدوره، بل إن الرجوب لم يستطع تذكّر اسم زوجته أو عائلته نتيجة تدهور حالته الصحية.
الأسير رزق الرجوب علامة فارقة في مسيرة مواجهة سجون الاحتلال، فقد قضى ثلاثين عامًا متفرقة في الأسر، ولم تمنحه الحياة عدالة الحرية. وحتى هذا اليوم لا يزال يصارع ملف اعتقالٍ إداري تتراكم فوقه أوامرُ تجديدٍ لعزلٍ انفرادي، لا تعرف عائلته سببَه ولا تفاصيلَه. ولتكتمل دائرة المعاناة، يعتقل الاحتلال أيضًا نجليه أحمد (35 عامًا) ومحمد (19 عامًا).
يواصل مكتب إعلام الأسرى عرض ملف الأسير رزق الرجوب، إيمانًا بحق إيصال المعلومة وتسليط الضوء على أوضاعه الصحية، فيما تؤكد عائلته أنها كانت تنتظر حريته بعد انتهاء مدة أمره الإداري الأخير خلال هذا الشهر، إلا أنها فوجئت بتمديد اعتقاله الإداري لأربعة أشهر جديدة.
أنهى الأسير الرجوب 28 شهرًا في الاعتقال الإداري، وكانت عائلته تتوقع الإفراج عنه، إذ أصبحت المدة طويلة جدًا. جهّزوا لاستقباله، وكان أحفاده بانتظار أن تدخل الفرحة بيتهم، لكنّ الصدمة كانت قاسية؛ اعتقال إداري جديد، والعزل ما زال متواصلاً.
تقول زوجة الأسير: "صُدمت من هذا التمديد أكثر من أي تمديدٍ سابق، فالمحامي يخبرنا بأن الاعتقال الإداري لم يعد له سقفٌ محدد. كما جرى تجديد قرار العزل الانفرادي بحق زوجي في شهر يوليو الماضي، بعد أن أكمل سنة كاملة في العزل، ليُمدّد لستة أشهر إضافية. أما أبناؤه أحمد ومحمد فما زالا معتقلَين إداريًا أيضًا، إذ يكمل أحمد في الشهر القادم عامَيه الإداريَّين، في حين يكمل محمد عامَه الأول خلال شهرين."
إداريٌّ وعزلٌ في مواجهة أسيرٍ ستينيّ
يدخل الأسير الشيخ رزق الرجوب عامه الحادي والثلاثين في الاعتقال المتفرق، وكان اعتقاله الأخير بتاريخ 12/6/2023. وهو حاليًا في عزل سجن ريمون، حيث لاحظ محاميه خلال زيارة وجودَ آثارِ ضربةٍ على رأسه وتورّمٍ في عينه، كما أنه فقد ذاكرته جزئيًا.
يعاني الأسير الرجوب من مرض البهاق الذي يحتاج إلى درجة حرارة متوازنة لا باردة ولا حارة، ولا يتحمل الرطوبة — وهي ظروف لا تتوفر في سجون الاحتلال. وكان قد أجرى عملية المرارة قبل فترة قصيرة من اعتقاله، ويعاني كذلك من مشاكل في المعدة ويحتاج إلى متابعةٍ طبيةٍ دقيقة.
نُقل الرجوب من عزل مجدو إلى عزل ريمون، بينما يقبع ابنه أحمد في سجن نفحة، وهو ليس اعتقاله الأول، فقد تعرّض لاعتقالاتٍ سابقة وأمضى ستّ سنواتٍ في سجون الاحتلال، وهو متزوج وأب لأربعة أطفال. أما ابنه محمد فيقبع في سجن عوفر.
خلال جلسة الاستئناف الأخيرة للشيخ الرجوب، أخبر المحامي زوجتَه بأنه رآه في صحةٍ سيئة جدًا، جسده هزيل، بالكاد نهض بعد انتهاء المحاكمة، وكان مكبّلًا ولم يُسمح له بالحديث. وتقول زوجته إنها سألت المحامي إن كان يستطيع تقدير وزنه، فأجابها بأنه أصبح على هيئة جلدٍ وعظم.
لقد دفع الأسير رزق الرجوب عمره ثمنًا لحرية بلاده، ويحتاج اليوم إلى وقفةٍ جادة تجاه قضيته وقضية أبنائه. فالأوضاع الصحية في سجون الاحتلال تزيد الطين بلة؛ والأسير الستيني لم يعد يحتمل جسده مزيدًا من العزل أو الأوامر الإدارية. ومن حقه أن يتنفس طعم الحرية، وأن يمارس دور الجدّ بين أحفاده، وأن يتشبع جسده بنسائم الهواء الطلق بعد طريقٍ طويلٍ من النضال والتضحية.