الأسير محمود علي سالم زيدات (46 عامًا) من بلدة بني نعيم قضاء الخليل، محكوم بالسجن المؤبد و60 عامًا، ولا تعرف عائلته شكله أو أخباره منذ اعتقاله، إذ تفصله عنهم جدران السجن وأحكام لا تنتهي.
يترك الأسرى أصحاب الأحكام المؤبدة خلفهم جنديات صبرٍ مجهولات المعالم، معروفاتٍ بالجلد والمكابدة. أكل الصبر من جلودهن ومن ذاكرتِهن الشيءَ الكثير. تعرف جدران البيوت جيدًا ساعات السهر التي تهاجم عقولهن حين ينام الجميع.
رفاهية الانهيار ليست متاحة لهن؛ فعليهن أن يصبرن حتى يملّ الصبر من صبرهن، وأن يتابعن المحامين علّهن يعرفن خبراً عن أزواجهن خلف القضبان، أو ينتظرن بصمتٍ خبراً من أسيرٍ محررٍ مرّ من ذات الزنزانة، لعلّه يحمل لهن نافذةً صغيرة نحو الطمأنينة.
بصبرٍ وجَلدٍ تقف زوجة الأسير محمود زيدات شامخة في وجه الغياب، تحسب الأيام على أمل الحرية، ولا يغادرها الإيمان بأن الحرية قريبة مهما طال الحكم. تعيش رفقة أبنائها السبعة، وقد أصبحت الأم والأب معًا في بيتٍ فقد ركنه وسنده منذ لحظة اعتقال الزوج وتفجير الاحتلال منزل العائلة.
ورغم الفقد والحرمان من الزيارة، لا تزال الزوجة مثال المرأة الحديدية التي تقف على قدميها رغم كل الانكسارات.
تؤكد زوجة الأسير أن أكثر ما يقلقها هو انقطاع الأخبار تمامًا عن زوجها؛ لم يزوروه منذ اعتقاله، ولا تعرف كيف أصبح شكله اليوم. كانت آخر مرة رأته خلالها أثناء محاكمته الأخيرة.
تقول لمكتب إعلام الأسرى: "يعاني محمود من حساسية في الدم تتأثر بالبرد كثيرًا، وتسبب له حكة مزمنة وانتشار حبوب في جسده، ولم يُقدَّم له أي علاج، سوى الأكامول، وهو أقصى ما يُعطى للأسرى."
الأسير بحاجة ماسة إلى متابعة طبية، لكن العائلة لا تعرف شيئًا عن طريقة تعامله مع مرضه منذ اعتقاله. هي تعلم فقط أن الأسرى محرومون من العلاج الحقيقي، وأن الأكامول هو الدواء الوحيد الذي يتكرر اسمه في كل شهادة.
ومنذ حرب الإبادة على غزة، توقفت الزيارات والمحامون عن الدخول إلى سجن نفحة، وباتت العائلة تعتمد على روايات الأسرى المحررين التي تصلهم كهمساتٍ مقتضبة لا تُطفئ نار الشوق.
تؤكد العائلة أن آخر ما وصلهم من أخبار، عبر أحد الأسرى المحررين في يوليو الماضي، يشير إلى أن الأسير فقد الكثير من وزنه، وأصبح هزيلاً لا يتجاوز وزنه 52 كيلوغرامًا، ومنذ ذلك الحين لا يعلمون شيئًا عن وضعه الصحي أو وزنه الحالي.
في سجن نفحة يقف محمود زيدات شامخًا، يقاوم السجن وذكريات العائلة التي تركها خلفه. اعتُقل بتاريخ 15/1/2024 مع ابن أخيه أحمد زيدات بتهمة تنفيذ عملية في الداخل المحتل، وبعد عامٍ من الاعتقال صدر بحقهما حكمٌ بالسجن المؤبد و60 عامًا وغرامة مالية قدرها مليونَي شيكل.
ستّ بناتٍ وابنٌ واحد وزوجةٌ حُرموا من والدهم، ومن رأس العائلة، ولم يكتف الاحتلال بذلك، بل فجّر منزلهم بالكامل في عقابٍ جماعيٍّ مضاعف.
تقول زوجته: "منذ اعتقاله نعيش على أمل رؤيته قريبًا. كنا ننتظر اسمه في الصفقة الماضية لكن لم يُدرج. عانينا كثيرًا بغيابه؛ تزوّجت ابنتُه الكبرى دون وجوده، ونجحت الصغرى في الثانوية العامة ولم يكن حاضرًا. نحن نعلم أن أيامه تمضي في الشوق والحنين إلينا، وأصبر كما تصبر كل امرأةٍ فلسطينيةٍ تفقد زوجها خلف القضبان."
تصف زوجة الأسير لحظات اقتناصها لأخبار الحرية من الآخرين قائلةً: "في كل مرة يخرج فيها أسيرٌ من الزنزانة التي كان فيها محمود، أتشبث بأي كلمةٍ عنه، نحرم من الزيارة ومن الهاتف، لكننا نحتسب صبره لله، ونعلم أن عزمه لا يلين، وأن أبواب السجن مهما أُغلقت، لا بد أن تُفتح يومًا."
الآية الكريمة {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} تظل حاضرةً في وجدان العائلة، يردّدونها كلما اشتدّ الحنين أو طال الغياب.
عائلة زيدات عائلةٌ من الأسرى؛ فإلى جانب محمود، يعتقل الاحتلال شقيقيه سالم ومحمد زيدات، وابنَي شقيقه طارق وأحمد، لتغدو العائلة رمزًا للأسْر والصبر الفلسطيني، ونساؤها مثالاً للثبات والحكمة في وجه الفقد والانتظار الطويل.