بعد 24 سنة.. رائد أبو ظاهر حرٌّ بجسدٍ متعب وقلبٍ ما زال في الزنزانة
تقرير/ إعلام الأسرى

بعد أربعٍ وعشرين عامًا خلف القضبان، خرج الأسير رائد أحمد عبد الله أبو ظاهر إلى النور في صفقة طوفان الأحرار الثالثة، لكن النور بدا خافتًا.. إذ يقول بصوتٍ يختنق بالوجع: "الآن تحررت، لكنني لا أشعر بطعم الحرية... أشعر أني خنت إخوتي الذين ما زالوا في الأسر، لأنني آكل أكثر منهم."

تحرر جسده، لكن روحه بقيت معلّقة في الزنازين، حيث يُسحق الإنسان كل يوم، ويُدفن الألم بصمتٍ خلف الجدران.

يبدأ رائد حديثه باسترجاع تفاصيل عمرٍ طويلٍ من الاعتقال، قضى منه اثنتين وعشرين سنة قبل حرب الإبادة على قطاع غزة، ويقول إن ما تلاها لم يكن استمرارًا للسجن بل جحيمًا جديدًا: "يومٌ واحد بعد حرب الإبادة يعادل سنة من سنوات السجن قبلها، ما بعد الحرب ليس كما قبلها."

في سنتي حرب الإبادة، تحوّلت السجون إلى ساحات قتلٍ ممنهج. يقول رائد: "كل ما يحدث هو مجزرة إجرامية تُرتكب بحق الأسرى بصمت. الشهيد يسقط بلا ضجة، بلا حراك، بلا ثمن."

يتحدث عن زميله الشهيد أحمد خضيرات الذي ارتقى داخل السجن، وعن اللحظة التي تحولت فيها حياة كاملة إلى “غرضٍ يصادر”: "عندما استشهد أحمد، جاء السجّان، كل ما كان يهمه أن يصادر فراشه وصحنه… لم ينظر إليه كإنسان."

ويكشف رائد عن ما يدور داخل الزنازين المعزولة: "الأسـرى في العزل يُعدمون ببطء. أحد السجانين قال لنا: أخطأنا لأننا لم نستغل الفرصة وقتلنا كل الأسرى بعد الحرب، كان يجب أن نعدم مروان البرغوثي وعبد الله البرغوثي وإبراهيم حامد ومعمر شحرور ومحمد عرمان وبلال البرغوثي وعباس السيد… قالها بلا خوف ولا خجل."

ويتابع بصوتٍ حادٍّ مبحوح: "مروان البرغوثي يتعرض لعملية إعدام بطيئة يوميًا. يُضرب ويُصلب في البرد، ويُعرّى تحت المطر. هذه ليست عقوبة، هذه جريمة."

يصف رائد تفاصيل الحياة اليومية التي تشبه الموت: "الطعام لقيمات لا تُسمن ولا تُغني من جوع. الشاب يجمع فطوره وغداءه وعشاءه ليأكلهم معًا عند المغرب، فيملأ ثلث بطنه بالكاد، نصحى جعانين وننام جعانين."

أما الحرمان فله طعمٌ مرّ لا يفارق الذاكرة: "لا فورة، لا زيارات، لا محامين. نحن نعيش في مكان تُهان فيه كرامتنا كل يوم."

ثم يروي مشهدًا يقشعر له الجسد: "عند الاقتحام، يرشّون الغاز صباحًا ومساءً على كل الغرف. يُطلق الرصاص المطاطي حتى من دون سبب. الطبيب أول من يضرب الأسير، والسجّان لا يرتاح إلا إذا كسر ضلعًا أو فقأ عظمًا."

يخرج رائد اليوم حرًّا من قيد الحديد، لكنه لا يزال أسيرًا للذاكرة.

كل وجبةٍ يتناولها تُذكّره بالجوع الذي ينهش أجساد رفاقه، وكل نسمة حريةٍ تمرّ أمامه تُشعره بأنه ترك خلفه قلوبًا معلّقة على حافة الحياة.

في ختام حديثه، قال بصوتٍ يتكسر بين الذكرى والذنب: "تحررت… لكن ما زال فيّ أسير. قلبي هناك، في البرد، في الزنزانة، في الجوع، في وجه مروان وعباس ومعمر وإبراهيم وعبد الله وبلال وصرخة من بقي."

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020