سمير أبو نعمة.. وجع العظام وكرامة الروح في زمن الإبادة
تقرير/ إعلام الأسرى

تسعة وثلاثون عامًا من العتمة، من الحديد والقيود والانتقام، لم تُطفئ نور الإيمان في قلب الأسير المقدسي سمير أبو نعمة، الذي خرج من سجون الاحتلال في صفقة طوفان الأحرار الثالثة حاملًا ذاكرةً مثقلة بالجراح، وصوتًا يروي ما لم يُروَ عن العذاب الصامت خلف القضبان.

فمن زنزانةٍ إلى أخرى، ومن سجن ريمون إلى آخر، ظل الألم يتبدل في شكله لا في جوهره؛ ضربٌ وتكسير عظام، إهاناتٌ متواصلة، وأمراضٌ انتشرت كالنار في الجسد والعزيمة. ومع ذلك، بقيت كرامته عصيّة على الكسر، كما بقي مصحفه شاهدًا على قهرٍ لا يرحم.

يروي الأسير المحرر سمير أبو نعمة أنّه رغم اقتراب موعد حريته، لم يسلم من انتقام السجانين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ تعرّض لاعتداءٍ وحشيّ وهو في طريق نقله من سجن ريمون إلى سجن النقب تمهيدًا للإفراج عنه. يقول: "الضرب كان قاسيًا... تكسير عظام، إهانات، وإذلال متعمّد، سواء في ريمون أو النقب، كان الانتقام سياسة دائمة، لا تمرّ علينا لحظة راحة."

يتحدث أبو نعمة عن مشاهد تُعيد ذاكرة السجون إلى زمن النازية، كما وصفها: "السجانون الدروز انتقموا منا انتقامًا شديدًا، كانوا يقولون وقت الإحصاء: في الغرفة 11 كلب أو حمار، ريحتهم طالعة... أقصى درجات الإهانة."

حتى المصحف لم يسلم من العدوان، فقد تمزّقت صفحاته وأُهينت حرمته، وحين احتجّ سمير على رمي مصحفه ونظارته في القمامة، ردّ عليه الضابط باستهزاء: "قال لي: ما في منه الكلام هذا... وكان يقصد أنه لا حق لك حتى في الاعتراض."

يصف لحظاتٍ موجعة من تقييد الأسرى بالأسلاك من الخلف، حتى سال الدم من معاصمهم: "أنا ضعيف والشرايين مبينة، في إحدى مرات النقل لو تأخرت لحظات لمزقت الأسلاك شراييني وصار نزيف... وكانوا السجانون يشجعون بعضهم: أوجعوهم أكثر، خلوهم يتألموا."

وعن لحظة المناداة باسمه ضمن صفقة التبادل، لم تكن الحرية سهلة: "قالوا لي انبطح على الأرض وأنا مكلبش، وقعت على كتفي وشبه انخلع، ما قدرت أوقف... كانت آخر صفعة من عمر العذاب الطويل."

لكن أشدّ ما بقي محفورًا في ذاكرته، هو ما وصفه بـ"زرع المرض" داخل أقسام الأسرى: "السكابيوس انتشر بشكل غريب... جرثومة مش طبيعية، الدمامل ملأت أجساد الأسرى حتى شارفوا على الموت. اثنان من الأسرى في ريمون استُشهدا بسبب المرض، وبعد ستة شهور فقط بدأوا يجيبوا أدوية غير فعالة."

ورغم كل هذا، يقول سمير: "كنت أقول يا رب احميني منهم... من وجعهم، من حقدهم، من كل هذا الظلم."

خرج سمير أبو نعمة بعد تسعةٍ وثلاثين عامًا من الأسر، لكنه ترك وراءه أرواح ما زالت تعيش ما عاشه وأكثر.

خرج بجسدٍ أنهكته القيود، وروحٍ لم تُكسر رغم الحديد، ليقول للعالم إنّ في كل زنزانة فلسطينية حكاية صبرٍ لا تشبه سواها، وإنّ الحرية، مهما تأخرت، لا تُولد إلا من رحم الألم.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020